ربمــا..! عودة إلى الثقافة الوطنية

يعيدنا مقال دحسن حنفي الذي نعيد نشره هنا إلى مفهوم «الثقافة الوطنية»، المفهوم الذي نحتاجه إلى الاحتماء به، والتفيؤ بظلاله، لا سيما في الفترة الحالية، فبين المناخ الثوري الذي يعِدنا بحياة جديدة، وبين نكوص البعض، من هذا الصف وذاك، إلى مفاهيم وقيم بدائية،ما قبل مدنيّة، تأتي الحاجة إلى هذا الحقل البحثي الكبير الذي انشغلت به أقلام كبار الكتّاب والمفكرين العرب خلال العقود الماضية، وكانت حصيلته مادة ضخمة، تبدو قد وضعت لمثل هذا الزمان، ولمثل هذه الظروف.. مقال حنفي مناسبة للعودة إلى هذا الإرث، الإرث القريبالذي رسم الملامح لزمنٍ بلا ملامح..

 

من المعروف أن مفهوم «الثقافة الوطنية» وضعه فرانز فانون في مواجهة الثقافة الاستعمارية، التي من شأنها علاوة على التحكم السياسي والسيطرة اقتصادية، أن تهيّمن وتتسلّط حضارياً وثقافياًوقد حدّد فانون في كتابه الشهير «المعذبون في الأرض» هذا المفهوم بـ: «مجموع الجهود التي يبذلها شعب من الشعوب على صعيد الفكر، من أجل أن يصف ويبرر ويغني النضال الذي به يتكوّن الشعب ويبقى».. وبالنظر إلى الجهود الفكرية والبحثية المتعددة التي قدمها المثقفون العرب، نظرياً وأدبياً، بالتوازي مع التجربة الحياتية والاجتماعيةلشعبنا منذ الاستقلال مروراً بكل المنعطفات الخطيرة.. سيبدو المشهد جديراً بإعلاء صرخة الثقافة الوطنية في وجه أعدائها، من منغلقين ومتسلطين وما شابه.. في محاولاتهم الحثيثة لضرب فكرة الشعب والعيش المشترك والمصير الواحد للبلد، وبالتالي للأمة، ومنها للشعوبالمقهورة..

إنها فرصة، بفضل الحالة الثورية الآن، لنعيد لم شملنا عبر وعي الشعب لذاته، ووعيه لشخصيته الثقافية والحضارية التي من شأنها أن تقوده إلى الخلاص، حين يجعل من حالة التنوع والتعدد الموجودة في الوطن عنواناً للهوية، وحين تصون الدولة ومؤسساتها، قانونياًودستورياً، الأطر الحاضنة للجميع..

الثقافة الوطنية لا تولد في لحظة، هي ولدت وتكونت ونمت، لكنها تلقت الكثير من الرضوض والتشوهات بسبب القمع المتواصل لمنتجيها ومحاولة احتكارها ووضعها في قوقعة الحاكم المطلق والحزب الواحد ومثقف السلطة.. لذا آن أن تنطلق من إسارها لتستعيد ذاتهاوهويتها وآفاقها..