سطر من كلمتين في كتاب التاريخ

«وظل الحال كذلك حتى...»..

 

جملة من عدة  كلماتٍ  تتكرر كثيراً في كتب التاريخ أثناء الحديث عن مسيرة  تطور وقصة تحرر شعب ما، وتدل تلك العبارة على كل الزمن الذي مر دون تغير أو تحركٍ يذكر لدرجة تدفع إلى التساؤل: ماذا كان أولئك الناس يفعلون طوال تلك السنين؟ لماذا لم يغيروا واقعهم؟ وكيف لشعبٍ أن  يظل ساكناً هكذا؟ وكيف لحياة أجيال كاملة من البشر بكل ما فيها من أحداث وتفاصيل أن تكون غير مؤثرة لدرجة تكفي معها بضع كلماتٍ لوصفها؟

والحاضر بدوره اتسم- حتى وقت قريب- بنوع من الجمود والثبات، غاص الأفراد فيه في تفاصيل يومهم لتأخذ الحياة شكل سلسلةٍ طويلةٍ لم يُكسر تكرارها أبداً. أسئلةٌ كثيرة لم نشعر بضرورة الإجابة عنها لأنها كانت تبدو بعيدة ضبابية في ظل حياة بدت ساكنة لا تحتاج إجابات.

فجأة وجدنا أنفسنا- وبسرعة لم نتوقعها- أمام تغيرات مفصلية تضعنا وجهاً لوجه أمام أسئلة معقدة ومتشابكة، والأهم من ذلك جوهرية لدرجة نشعر معها أن الإجابات سوف تحدد لنا هويتنا.... من نحن؟ ومن نريد أن نكون؟

نشعر بأنفسنا عاجزين، لا تسعفنا دروس التاريخ والجغرافيا ولا مقررات الفكر السياسي والثقافة، نشعر بالخوف والترقب من شيء لم نختبره قبلاً، ماذا نختار؟ هل نختار السكون لأننا اعتدناه وألفناه ولأنه يبدو أقل خطراً وبحيث ندفع الملل والتشاؤم ثمناً لحياة نعبر علانية عن كرهها إلا أننا غير مستعدين لتغييرها لأننا نخاف المجهول؟ أم نختار التغير ونختار مستقبلاً نعمل على تحديدَ ملامحه؟ وما ضمانة أن يكون التغيير نحو الأفضل؟

تستمر الأسئلة لتصبح أكثر صعوبة، ما هو التصرف الصحيح؟ ماذا يجب أن نفعل؟ أوليس الخطأ هنا، في الإجابة عن هذا السؤال بالذات ما يسمى دائماً «الخطأ التاريخي»؟ فجأة نجد أنفسنا غير مراقبين للتاريخ كما اعتدنا أن نكون وإنما في مركز التاريخ  وفي قلبه، في حراك عالمي أجبرنا على اتخاذ موقف.

تتحول أفكارنا نحو مفاهيم ومصطلحات ظننا أننا فهمناها، ماذا تعني الحرية والديمقراطية؟ ما هي الحدود الفاصلة بين الحرية والفوضى؟ ونجرؤ بعد ذلك أن نطرح على أنفسنا  أسئلة أكثر صعوبة، ما جوهر  مفاهيم الانتماء والهوية والوطن والشعب؟..

تتدافع الأسئلة الواحد تلو الآخر: بمن نستطيع أن نثق الآن، وإلى من نستمع؟ وكيف نستطيع تقييم وجهات النظر والآراء المختلفة التي تتصارع لجذبنا نحوها؟ كيف نستطيع التفريق بين الأهداف الظاهرية المعلنة لتلك التيارات والحقيقية منها؟ وكيف نتأكد أن الأهداف المرحلية والجزئية لا تتعارض مع المصالح والأهداف الوطنية على الأمد البعيد؟

والسؤال الأهم من ذلك كله والأكثر جذريةً هو متى سوف تتحول تلك الأسئلة والأفكار إلى فعل حقيقي؟ ومتى سوف يتخذ الأفراد القرار بالاختيار بين الخطط والأحلام الفردية التي وضعوها لأنفسهم وحياتهم قبلاً، وبين ما تقودهم إليه الأحداث الآن؟

عديدة هي الأسئلة، والأجوبة قليلة، والواقع يجبرنا الآن على الاختيار، هل نريد لطالب مدرسةٍ بعد عشرات السنين أن يقف متأملاً محتاراً يسأل نفسه: ماذا كان هؤلاء ينتظرون؟..