عمر بريك عمر بريك

متلازمة ستوكهولم.. والثورات العربية

متلازمة ستوكهولم أو متلازمة هلسنكي: هي عبارة عن عارض نفسي يصيب بعض الذين يتعرضون للاضطهاد، حيث يبدأ هؤلاء بالتعاطف مع من يضطهدهم، والاقتناع بوجهة نظرهم تجاه الأمور، حتى وإن كانوا قد تعرضوا للتعذيب وهددت حياتهم على يد الآخر المتسلّط..

 

ويرجع سبب التسمية إلى حادثة سرقة بنك وقعت في مدينة ستوكهولم السويدية عام 1973، حيث قام لصوص باحتجاز بعض الموظفين كرهائن لعدة أيام، وعندما جاءت قوى الأمن لتحريرهم، قاوموهم، ورفضوا ترك محتجزيهم، وبعد اعتقال السارقين قام بعض الرهائن بجمع التبرعات للدفاع عن الخاطفين أمام القضاء!

من المرجح أن هذه الظاهرة تنشأ عندما يصيب المضطهدين الرعب الشديد من مضطهديهم، فيبدأ اللاوعي لديهم بممارسة حيلة نفسية تقوم على حب المعتدين والالتصاق بهم تجنباً لأذاهم، وفي حال بدر منهم أي تعامل جيد يزيد من حب الضحية لجلاده، حيث أنه يضخم أي تصرف جيد يتم من قبلهم، وقد ينتج الامتنان لمجرد الإبقاء على حياتهم، فيتعلم المضطهد ما هي الأشياء التي ترضي المعتدي ويبدأ بالقيام بها تجنباً لأذاه، وتصل الرغبة في إرضائه حد تجاهل الحاجات النفسية والجسدية للمعتدى عليه، وبعد أن يبتعد المعتدى عليه ويصبح في مأمن، يمر بحالة نفسية أخرى، وهي أيضاً حيلة نفسية لا واعية تسمى الإنكار، حيث يعتبر كل ما مر به مجرد حلم، من دون أن يبعده ذلك عن الإعجاب بالمعتدي، حتى أنه يبدأ بتقليده ويحاول أن يتصرف مثله..

كل ما سبق يمكن أن نرى ما يشبهه على الساحة العربية، التي تشهد مناخاً ثورياً يوحي باحتمال حدوث تغيرات جذرية، خصوصاً من حيث محاولة إعادة رسم ملامح أنظمة الحكم وتزايد الرغبة في التخلص من الدكتاتورية.. فهذه الأنظمة، سواء التي أطيح بها أو التي مازالت تترنح تحت عصف رياح التغيير، وجدت من يناصرها ويقف في صفها بقوة..

فقد شهد العالم كله قيام بعض المجموعات بالدفاع عن أنظمة القمع والاضطهاد، ويمكن تصنيف هذه المجموعات إلى قسمين، القسم الأول هم عملاء تلك الأنظمة والمقربين منها، وهؤلاء مصالحهم مرتبطة بهذه الأنظمة وهو ما دفعهم لرفض إسقاطها، أما القسم الأخر فهم أولئك المصابون بالعارض السابق الذكر، ونخص منهم أجهزة الأمن، فمن الملاحظ استماتتها في الدفاع عن الأنظمة القمعية واستخدام شتى أشكال الإجرام لقمع الثائرين، مع العلم بأن معظم عناصر هذه الأجهزة حالها ليس أفضل من حال باقي فئات الشعب، حتى أنهم يعاملون بقسوة وبعنف من جانب قياداتهم تشابه تلك التي سيعودون هم لممارستها بحق الشعب، ومن هنا نكتشف بأن القسوة المستخدمة في القطاعات العسكرية والأمنية هي ليست ناتجة عن عبث وعدم معرفة، بل هي وسيلة نفسية مدروسة لتبقى هذه القوات أداة طيعة في أيدي قياداتها وهذا ما أثبتته التجربة في الأحداث الأخيرة.