جهاد أسعد محمد جهاد أسعد محمد

بين قوسين: الشعب السوري.. الشعب!

سيتجاوز السوريون بسرعة أي شعور بالإحباط يخيّم على بعضهم الآن، ولن يستسلم سريعو الانفعال منهم المدفوعون عمداً لليأس والكفر بأنفسهم وطاقاتهم، طويلاً لفكرة أن تطلعاتهم قد تكسّرت وأن تحقيقها بات أشبه بالمستحيل، وسيدركون بالسرعة ذاتها أنهم هم وحدهم في نهاية المطاف، من كان وما يزال يقع على عاتقهم تحقيق تطلعاتهم في الحرية والعدالة الاجتماعية، وإن اضطروا في الماضي القريب أو البعيد للمراهنة على سواهم أملاً أو وهماً أو قسراً أو تحييداً، فقد أتت الظروف الراهنة ببعض ملامحها الأولية لتثبت لهم العكس..

 

لا شك أن هذا الشعب سيتألم كثيراً في هذه الأوقات العصيبة للصفات التي رماه البعض بها، وسيتملكه شعور بالإهانة من التعامل معه على أنه فئات وطوائف وعشائر، وأنه متسوّل أو طالب أعطيات ومكرمات وليس طالب عدالة وحرية وحقوق أساسية، وقد تتنازعه هواجس الخوف من المجهول الخارجي والداخلي كما تنازعته مخاوف أن يجرّه آخرون مختلفو الغايات والمواقع والحِيل إلى الاقتتال فيما بينه، ولكنه لن يلبث أن يعي حقيقة ناصعة، وهي أن مرحلة انقضت بقضّها وقضيضها، وأن مرحلة جديدة قد بدأت فعلياً، وأخذت بنقله موضوعياً وبالتدريج من التحييد والتهميش والانفعال والتغافل عن حقوقه، إلى الفعل الواقعي، الفعل على الأرض، الفعل في الشارع!.

ولأن هناك من يدرك جدياً أن كل ذلك واقع لا محالة، وأن كلمة الشعب قد آن أوانها، سيعمل بكل صلفه وغطرسته وتجبّره وأدواته على تعطيل ذلك، أو تأجيله، أو حرف الناس عن غاياتهم وأعدائهم الطبقيين، وإلهائهم عن طرح الأسئلة المكبوتة عن دورهم في مواجهة العدو الخارجي ومحتل أرضهم ومشرّد إخوتهم، تارة بالترهيب، وتارة بالترغيب، وتارة بالرشاوى والوعود والتسويف والتضليل، وقد تصل به المحاولات اليائسة إذا ما فشل كل ما سبق، إلى مغامرة مفتوحة، حتى لو أدّت إلى أخطر النتائج وطنياً واجتماعياً وإنسانياً..

إن الحقيقة الكبرى التي يجب على الجميع إدراكها اليوم، أن ذلك الزمن الذي استفرد به الفاسدون والمتنفّذون والمدّعون بالخاضعين لأمرهم قد ولّى، وأنه لم يعد لدى الناس ما يخسرونه سوى القيود التي كانت تكبّلهم وتعيق تحررهم، لأنهم فعلياً خسروا الكثير مما كان يمنحهم القليل مما يُترك لهم.. خسروا جزءاً هاماً من مجانية التعليم، ومن مجانية الصحة، ومن الدعم الحكومي على شحه، وجزءاً هاماً من القطاع العام، وجزءاً متزايداً من ملكياتهم بالاستملاكات غير العادلة تعويضاً وتثميراً، وجزءاً واسعاً من النقل الرخيص ومعظم الخدمات الأخرى، وخسروا الرقابة على الأسواق والأسعار واكتووا بجحيم الأسعار المتزايدة باطراد، وخسروا الدعم الزراعي بأشكاله المتنوعة، وخسروا فرص العمل، وخسروا جزءاً خطيراً من الأمن الغذائي، وجزءاً كبيراً جداً من مهنهم وحرفهم وورشهم ومشاريعهم الصغيرة... ولم يقابل كل ذلك أي التفات حقيقي وجوهري لحالهم ولدخلهم، ولم تُعطَ لهم أية فسحة أو منبر أو إطار للتعبير عن ذواتهم وهمومهم وتطلعاتهم، بينما هم يبصرون ناهبيهم يعيثون فساداً، ويسرقون الثروة الوطنية والمال العام، ويعرضون البلاد ومرافقها الحيوية للبيع في المزاد العلني لمستثمري الداخل والخارج، ويضعون الخطط الدورية والمناهج والسياسات للاستمرار في الاعتداء على حقوقهم ومكاسبهم..

ولعل الأسوأ والأخطر من كل ذلك، هو الاستمرار بالعزف على أوتار الشعارات والاختباء خلفها، والإصرار على محاولة الضحك على اللحى واستغباء الناس، والتعامل معهم على أنهم لا يبصرون ولا يعقلون، وإن أدركوا ووعوا فهم عاجزون عن فعل أي شيء..

إن الفرص الأخيرة التي كانت متاحة لخروج سورية وشعبها من النفق بدأت تمضي بنفادها إلى نهايات كلية.. نهايات ستحمل معها احتمالات خطرة على المستويات كافة.. ومخطئ من سيعتقد أن ما كان قبل انعطاف آذار يمكن أن يشبه ما بعده..

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.