بيكفي دراما! اعتلال الشخصيّة المسرحي
هل هناك شيء مثل: «الإدمان على الاهتمام». لا أعني هنا «اضطراب نقص الاهتمام deficit disorder»، بل عندما يتوق البالغون للفت الانتباه ويدمنون على الاهتمام سواء أكان سلبياً أم إيجابياً، أي أن يصبحوا دراميين. هل هناك اعتلال حقيقي حيث يمكن أن يصبح البالغون مدمنين على الدراما وعلى لفت انتباه الأشخاص الآخرين، إلى حدّ اعتماد سلوكيّات غريبة فقط ليحظوا بالاهتمام؟ وإن كان هناك وجود لمثل هذا الاعتلال، فما هي أعراضه والإشارات على وجوده؟ وهل يجب تشخيص المصاب به بشكل رسمي كي يحصل على المساعدة؟
تعريب: هاجر تمام
بينما لا يوجد تشخيص رسمي لإدمان لفت الانتباه، فهناك اعتلال نفسي يتميّز بالسعي المستمر للاهتمام. يشير «الدليل التشخيصي والإحصائي لرابطة الطب النفسي الأمريكيّة» في إصداره الخامس (DSM-V) إلى أنّ الأشخاص الذين يكونون دراميين وعاطفيين جدّاً أو لديهم سلوك وأفكار غير منتظمة تتداخل مع أدائهم اليومي، ربّما يعانون من اعتلال في الشخصيّة. ورغم أنّ التشخيص الرسمي ليس ضرورياً كي يسعى الفرد للحصول على المساعدة من أجل سلوكه، فإنّ تشخيص أحدهم باعتلال نفسي يعتمد كلّ حالة على حدة بالنظر إلى فرادة كلّ حالة.
وكي نكون أكثر تحديداً، فربّما يعاني الشخص الذي يتوق للاهتمام ولخلق الدراما من (اعتلال الشخصيّة المسرحيHistrionic personality disorder – HPD ). يمكن تشخيص الإصابة بهذا الاعتلال إن كان ينطبق على الأشخاص خمسة على الأقل من الأعراض التالية، وهو ما يبدأ عادة في سنّ البلوغ المبكرة:
- يشعرون بعدم الراحة أو بالضيق عندما لا يكونون في مركز الاهتمام.
- بعض تفاعلاتهم مع الآخرين هي جنسيّة أو إغوائيّة بشكل غير لائق.
- غالباً ما تكون العواطف التي يظهرونها سطحيّة وتتغيّر بسرعة.
- يقدّرون المظاهر الخارجيّة كثيراً ويستخدمون مظهرهم الخارجي لجذب المزيد من الاهتمام لأنفسهم.
- تحتوي محادثاتهم على القليل من التفاصيل ويعبّرون عن الأفكار بطريقة غامضة وذاتيّة.
- يعرضون العواطف بشكل درامي أو مبالغ به أو بطريقة مسرحية.
- يظهرون علامات على أنّهم سريعي التأثر ويسهل على الآخرين قيادهم.
- تصورهم للعلاقات الشخصية أكثر حميميّة بالمقارنة مع تصوّر الآخرين.
هذه القائمة منقولة بشكل حرفي عن (DSM-V).
يهدف الأشخاص الذين يعانون من اعتلال الشخصيّة المسرحي في كثير من الأحيان إلى البقاء في مركز الاهتمام، سواء أكان هذا الاهتمام إيجابي أم سلبي. لكن رغم إصابتهم بهذا الاعتلال، فإنّ الكثير من الأشخاص المصابين به لا يزالون يعيشون حياة ناجحة جدّاً. تنطوي الحالات التي يتحوّل فيها الاعتلال إلى مشكلة عادة على مواجهة الرفض. مثال: قد يدفع الانفصال أو الرفض الاجتماعي الأشخاص المصابين باعتلال الشخصيّة المسرحي إلى حالات شديدة من الاكتئاب. علينا أن نبقي في اعتبارنا أنّ اعتلالات الشخصيّة ليست بالضرورة مسألة نضوج الفرد، فاعتلال الشخصيّة الحقيقي قد يدفع المصابين به إلى التصرّف بطرق تعرقل بشكل كبير أدائهم اليومي. مثال: قد يواجه شخص مصاب باعتلال صعوبة في الحفاظ على عمل أو في إجراء المقابلات من أجل عمل، أو صعوبة في الإبقاء على علاقات ذات معنى مع العائلة والأصدقاء.
لكن علينا التشديد على أنّ اختصاصي الصحّة النفسية وحده من يستطيع تشخيص وعلاج اضطرابات الشخصية، وهو الأمر الذي قد يكون معقداً. مثال: يمكن لبعض أعراض الإصابة باعتلال الشخصيّة المسرحي أن تكون جزءاً من شخصيّة الفرد الطبيعيّة أو المتأثرة بخلفيته الاجتماعية والثقافيّة. إضافة إلى أنّ ذات الأعراض قد تكون هي ذاتها جزء من أعراض اضطرابات شخصيّة أخرى، مثل (اعتلال الشخصيّة النرجسي Narcissistic personality disorder) و(اعتلال الشخصيّة الحدّي Borderline personality disorder). يرتبط كلا هذين الاعتلالين بالأعراض السلوكية لاعتلال (HPD) ويتطلبان انتباه متخصص.
الخبر السار أنّ علاج هذه الاعتلالات متاح، ويمكن لأيّ شخص مصاب بأحدها (أو يمرّ بكرب عاطفيّ مستمر) أن يستفيد من العلاج النفسي. يعتمد الأمر بكلّ حال على رغبة الشخص بالمشاركة في العلاج، وإن كان بإمكانه تأمين الموارد اللازمة للحصول عليه. يمكن بمجرّد بدء العلاج أن يتمّ تقييم الحالة وتحديد الأعراض ووضع الخطّة المناسبة للفرد.