المرأة في أعيادها.. ضحية النظرات الآفلة!
يختم المذيع حلقته عن حقوق المرأة: «سؤال نهائي أريد جوابه بجملة واحدة فقط، كيف تحصل المرأة على حقوقها؟».. تجيب ضيفته الأولى: تنشئة اجتماعية جديدة. الأخرى: الوعي وتمكين المرأة من اتخاذ قرارها بنفسها.. ثم يأتي جواب دراماتيكي من ضيفة ترتدي خماراً: «إطاعة ولي الأمر».. ليتبعه جواب أكثر دراماتيكية من الضيفة الرابعة بعد ترويج مسهب للنموذج الغربي لحقوق المرأة: «أنا لست ضلعاً..!»
النقاش أعلاه يمثل نموذجاً للأحاديث الإعلامية التي ترافق عيدي المرأة والأم (8 -21 آذار)، حيث يكثر الكلام عن حقوق المرأة ودورها في المجتمع مقابل غيابه بقية أيام السنة. في كل آذار ينطلق كلام كثير «على الهواء»، ويسيل حبر كثير في الصحف والمجلات حول هذا الأمر، بدءاً من إعادة اكتشاف أن «المرأة نصف المجتمع»، وأنها «تربي نصفه الآخر، ودورها كبير في تنشئة الطفل» وغيره من الأحاديث «المناسباتية» التي تكشف العجز عن تفعيل نقاش حقيقي عن المرأة والتسليم بوضعها الراهن، والميل باتجاه «مكافأتها» تعويضاً عن الظلم الذي تتلقاه في العلاقات الاجتماعية، وصولاً إلى الطروحات الأخرى التي تعبر عن الاتجاهات المأزومة بالوعي الاجتماعي السابق، وبالأخص الأصولي والغربي، الذي تعبر عنه السيدتان الأخيرتان في الحوار أعلاه..
الأصولي والغربي
من الطبيعي أن يتخذ الحديث عن المرأة طابعاً أكثر جدية واحتداماً في هذا العام الذي شهد ويشهد تحولات كبيرة على مستوى العالم، في العلاقات والموازين الدولية والواقع السياسي والعسكري وتصاعد التحركات الشعبية في العالم وظهور قوى فاشية جديدة قدمت نماذج مصغرة في الحكم والإدارة في غير مكان من منطقتنا، ومع تدفق مئات ألوف اللاجئين من منطقتنا وإفريقيا باتجاه أوربا، وغيرها من الأحداث التي عكست شيخوخة العلاقات الاجتماعية المعاصرة، ووجوب اجتراح نموذج جديد على مستوى العالم.
على إيقاع هذه التحولات، تتصاعد «المواجهة» بين التيارين الأصولي والغربي، بمنطق الفعل ورد الفعل، ليعكسا معاً درجة التأزم التي يعيشها عالم اليوم، وبالأخص في موضوع حقوق المرأة.
سجالات بائسة
النموذج الغربي يظهر أقوى من مقابله، لكونه مستنداً بالأساس لـ«حزمة الحقوق»، التي جلبتها البرجوازية عندما كانت طبقة ثورية قبل قرنين من الزمن. الحريات التي يمنحها الغرب للفرد والمرأة تفحم النموذج الأصولي المقابل الذي يرد بدرجة أعلى من الانكماش والتقوقع. إلا أنه (النموذج الغربي) في المقابل يقف عاجزاً أمام العديد من التساؤلات، أليس شرط بقاء «التحضر» في الغرب هو تخلف باقي العالم؟ ألا تدفع المرأة في المجتمعات الأخرى ثمن النهب والسياسية الاستعمارية له؟ لماذا يولد نموذج التحرر الغربي بنزعته الفردية أعلى درجات الاغتراب لدى المرأة الغربية ذاتها؟ ولماذا تلجأ فتيات ونساء غربيات إلى أكثر الاتجاهات أصولية في شرقي آسيا وغربها، من بينها «داعش» بالطبع؟
فيما يظل الاتجاه الأصولي أكثر إفلاساً بالمعنى النظري عند الحديث عن المرأة والفرد، إلا أنه يستمد قوته من امتداده في بؤر تخلف وجهل كارثية خلّفها النموذج المقابل (الغربي)، ومعتمداً على تشوهات الأخير ونماذج الانحلال التي يقدمها كيما يحتضن الناس التي تفرّ من لسعات نيران «الحضارة الغربية».
مشكلة الاتجاهين المذكورين أنها يقدمان حلولاً من الماضي بأكثر أشكاله بلاءً، ولا فرق بين «حلول» أيٍ منهما، حتى إذا كان النموذج الغربي يريد التشبث بحلول عمرها 200 عام، والأصولي بحلول عمرها آلاف السنين، إلا أنه وفي النتيجة فإن حلول كليهما ليست بحلول، لأنها بالتجربة الملموسة لا تجدي نفعاً.
أفكار ميتة
يصعب على معتنقي الأفكار القديمة الميتة ملاحظة حقيقة بسيطة وواضحة هي أن الجميع مضطهد في هذا العالم ضمن النظام القائم فيه، وأن الاضطهاد له طابع هرمي تراتبي، وأن المرأة بحكم الموقع الذي اتخذته في تاريخ المجتمع هي حلقة في سلسلة الاضطهاد. وأن الاضطهاد يتحول أكثر فأكثر إلى حزمة واحدة لا تنفصم عراها، فسلسلة الاضطهاد هذه تشرّد شعوباً بنسائها ورجالها في حروب أزمة النظام العالمي، وتجوع شعوباً أخرى على إيقاع الاتفاقات الاقتصادية مع الدول الكبرى، التي تتبجح بمنح الحقوق.
ليست قضية المرأة فقط موضعاً للبحث في عالمنا اليوم، بل كل العلاقات الاجتماعية كذلك، التي لا تكف عن توليد أشكال كلها الاضطهاد بنحو مباشر أو غير مباشر.
إن حقوق المرأة وإن كان تحصيلها رهناً بتغيير كل النظام الاجتماعي القائم، إلا أن النضالات التراكمية ضرورية، مثل أية قضية أخرى لتثبيت أساسات حل هذه المسألة جذرياً. لا يمكن أبداً رؤية ذلك الحل ضمن معطيات العلاقات القائمة- القديمة، بل لا بد من رؤية موقع جديد للمرأة في نموذج جديد كلياً، لا وجود فيه لأي اضطهاد.