بشار دهان: السينما حاضنة للفنون

في لقاء لـ«قاسيون» مع المخرج السينمائي بشار دهان تحدثنا عن السينما عموما ًودورها الاجتماعي، وعن السينما السورية خصوصاً.

ماذا تمتلك السينما من وسائل تعبيرية؟ ثقافة السينما معروفة في أجيال سبقتنا ولكنها بالنسبة للأجيال الجديدة التي لا تعرف كثيرا عن السينما سوى مجرد فلم يشاهد في التلفزيون. هناك بُعد بين الناس والسينما، القليل منا يعرف عن إمكانياتها ومواضيعها وعلاقتها بالفنون الأخرى.
تتحدثين عن المجتمع السوري هنا! في أماكن كثيرة من العالم مازالت ثقافة السينما موجودة وأتمنى أن تعود إلينا.
السينما عموماً هي حاضنة للفنون من عمارة ومسرح وشعر وموسيقا ونحت ورقص ورسم وغيره، وبسبب احتضانها لهذه الفنون فلديها عدد لا متناه من وسائل التعبير تنفرد بامتلاكها.
منذ أن نشأت السينما الصامتة كانت تسعى لإيصال رسائل صوتية، وبعد أن نطقت السينما تم استخدامها للأسف كسينما روائية %100، تعتمد على الحوارات، وكذلك بالنسبة للّون فعندما امتلكت السينما الألوان شاهدنا صوراً فسيفسائية أقرب إلى السجاد، إلى أن عاد السينمائيون وتداركوا أهمية الفنون التعبيرية الأخرى، وخلقوا توازناً بين هذه الفنون والسينما، لا يتذوق الجميع الموسيقا لكن السينما بجمعها هذه الفنون كلها، تعطي إحساساً وصورة لحالة فريدة لا تظهر مجتمعة إلا فيها.
لا أنكر إمكانيات المسرح ولكنه يبقى أسير الخشبة، بينما أدوات السينما لا متناهية يدخل فيها الضوء واللون والتكوين والحركة والأداء والموسيقا وهذا ما يجعلها فناً اجتماعياً بأدوات اجتماعية وانعكاسات اجتماعية، فالأفلام التاريخية تقدم إسقاطات يمكن أن تنطبق على أيامنا هذه.

السوريون لا يشاهدون السينما.. كيف لهم أن يدركوا دورها؟

السوريون عموماً لا يستطيعون التردد إلى دور السينما باستمرار بسبب الوضع الاقتصادي بالدرجة الأولى، فلعائلة من خمسة أشخاص هذا يعني حوالي ألفين ل.س وهذا رقم كبير لحضور مرة شهرياً، وحل هذه القضية مرتبط بحلول اقتصادية اجتماعية وليس متعلقاً بالسينما بشكل مباشر. وتقدم الأفلام في المهرجانات بأسعار بسيطة لكن الحلول الموسمية لا تلغي الدور الاجتماعي المطلوب.
يوجد تمركز لدور العرض في بعض المدن السورية (دمشق وحلب) ولا يوجد سينما في غيرها، ما تأثير هذه الظاهرة؟
سأقدم لك مثالاً عله يقدم رأيي ببساطة، كيف أثرت السينما في المجتمع الايطالي؟، كانت السينما تذهب إلى القرى وتعرض على شكل سينما جوالة، وهي عبارة عن سيارة شحن مع آلة عرض وأفلام، تسبقها سيارة تعلن عن تاريخ العرض، إذ كان هناك وعي لضرورة وحاجة أهل الريف لحضور الأفلام ومعرفة ما يجري، ولا يمكن تجاهلهم وهم الأكثرية، فكان دور السينما الجوالة زرع الثقافة السينمائية عند الشعب الإيطالي. ونحن لسنا عاجزين عن استخدام صالات متواضعة أو سينما جوالة تعرض أفلاماً حديثة، نحن بحاجة سينما مدعومة حكومياً ..
هنا يبرز أمامنا تساؤل حول دور الدولة في الإنتاج والتسويق السينمائي!!
المشكلة تكمن في كمية الإنتاج المطلوبة التي يمكن أن نعتمد عليها لتكون لدينا قدرة على الفرز والاختيار بين الجيد والرديء، وهذا يتطلب تقديم دعمٍ حكوميٍ لشركات الإنتاج الخاصة لتتمكن من إنتاج أفلام، وأنا هنا لا أدعو إلى الخصخصة ولكن حل المشكلة لا يقع على عاتق مؤسسة السينما وحدها. والمفروض أن نخلق توازناً، ونثق بذائقة الناس وحكمهم على جودة الأفلام المعروضة.

ماذا عن السينما اجتماعياً واقتصادياً؟

السينما فن نابع من المجتمع لا يمكننا أن نطرح فيه إلا مشاكلنا، رغم كوني درست وعشت في الغرب، ولكني لا أستطيع إلا أن أطرح مشاكل المجتمع السوري في سينمانا، لتعكس واقع هذا المجتمع وتلوناته المختلفة وندافع عن حقوق كل فئاته، ولها مهمة تربوية أيضاً، بالإضافة إلى كافة القضايا الإشكالية الأخرى كالفساد وقضايا المرأة، حيث أن السينما قادرة على عكس التناقضات الاجتماعية التي لا تستطيع الفنون الأخرى أن تعكسها بما تمتلكه من وسائل تعبيرية، سمعية بصرية.
ولها دور اقتصادي لا ينفصل عن دورها الاجتماعي بل يكمله ويدعمه، فالسينما يمكن أن تقدم مردوداً مالياً ضخماً للدخل الوطني عندما يجري التخطيط لها كصناعة وطنية، ودعمها وتأمين احتياجاتها، ومثال ذلك  أن أمريكا استثمرت حرب فيتنام التي خسرتها واقعياً، وربحت مليارات الدولارات من إنتاجها لأفلام عن حرب فيتنام ونجحت بخلق وهم البطل الأمريكي الخارق. ليست المشكلة بالكوادر فلدينا اكتفاء من كتاب السيناريو والممثلين والمخرجين وغيرهم، بدليل أننا نصدر كوادر لتعمل في الخليج، لكن هناك مشكلة في الثقة إذ لا يوجد صالات سينما كافية وبالتالي فلن يجازف منتجٌ ويقدم فيلماً جيداً للتسويق.

فمثلاً شركة إنتاج يكلفها المسلسل 125 مليون ليرة ليست عاجزة عن إنتاج فيلم يكلف 15 مليون ليرة، والقطاع الخاص يمكن أن يعمل بإنتاج أعمال مشتركة ثم ينطلق لتعود الثقافة السينمائية لنا. كمثال تجربة السينما اليونانية إذ كانت ضعيفة لم تتجاوز عتبة اليونان، لأن أغلبية الصالات تحولت إلى مول فقامت الحكومة بوضع خطة لإعادة النهوض بالسينما فأنشأت تجمعات عملاقة خارج المدينة وعلى أطرافها، تحوي عدة صالات فأصبحت ظاهرة أحبها المجتمع اليوناني وكسب عودته إلى ثقافة السينما.
ماذا عن انعكاسات الأزمة على المجتمع؟ وهل تعتقد أن للسينما دوراً خلال الأزمة وبعدها ؟؟
للأسف ما زالت المؤسسات الوطنية عاجزة حتى الآن عن استيعاب الصدمة، والسير نحو إنتاج أفلام تخدم حركة التاريخ من خلال تحليل الأزمة وانعكاساتها على واقعنا.
أنشأت حالياً وزارة المصالحة الوطنية المستندة إلى الحوار، فلا يمكن منع المفكرين والسينمائيين من التطرق إلى مواضيع سياسية.