فلسطيني.. «ما دخلك»!
مع الحراك الشعبي الذي تشهده سورية صارت المقاهي والحانات وحتى الحدائق العامة وسيارات الأجرة، منابر للحوار الوطني بين معارض وموالٍ، طبعاً بعيداً عن الإقصاء والاتهامات التي تكال جزافاً في هذه الحوارات، فإن أية محاولة لك كلاجئ فلسطيني مقيم في سورية لإبداء الرأي تقابل بكم هائل من الاتهامات للفلسطينيين، بأنهم «شبيحة» يدعمون النظام بسبب تصريحات بعض «القيادات» الفلسطينية المرتبطة بنيوياً ومصلحياً بالنظام السوري، أو بأنهم «مندسون» انخرطوا في الحراك الشعبي ودعموا الشباب المنتفض في أكثر من مدينة سورية، وحسب توزع مخيماتهم، ولكن بعد كيل كل هذه الاتهامات تأتيك كلمة السر التي أجمع عليها موالون ومعارضون سوريون كثر ووحدتهم رغم خلافاتهم الجذرية: «أنت فلسطيني... ما دخلك».
ويبدو أنه مع تصاعد الأزمة التي تمر بها البلاد، واستمرار حال الانسداد السياسي، تكشفت الصورة عن أمراض اجتماعية وفكرية ضربت المجتمع السوري بشكل مباشر، وقسمت المواطنين السوريين على أسس إثنية وطائفية ومذهبية، ووجدت في الأوضاع الراهنة مطية لتظهر بشكل علني ودون تورية، وفي سياق الانقسام السوري الراهن تعالت أصوات نشاز هنا وهناك بعيدة كل البعد عن العقلانية والمنطق، وهو ما جعل قسماً كبيراً من فلسطيني سورية يتخذون جمعياً -دون اتفاق- قراراً بعدم الانحياز إلى أي من الأطراف السورية، إلا أن استمرار حال الانسداد السياسي ووصول الأزمة إلى عنق الزجاجة، انعكس بشكل مباشر على الواقع الاقتصادي والاجتماعي في سورية، وأثر بطريقة أو بأخرى على واقع المخيمات الفلسطينية –البائس أصلاً– حيث دفع ذلك بعض اللاجئين للمشاركة معنوياً ومادياً في التحركات الشعبية السلمية التي طالبت بالحقوق الأساسية للشعب السوري.
فعلياً.. وكلاجئ فلسطيني متمسك بهويتي الوطنية، لا يمكنني الاكتفاء بلعب دور المراقب في هذه الأزمة، فأنا وجلُّ اللاجئين الفلسطينيين في سورية سنتأثر بشكل أو بآخر بانتقال البلاد نحو الدولة العلمانية الديمقراطية... دولة المؤسسات والقانون، التي تعامل جميع مواطنيها على قدم المساواة، وإن أي إنسان يقيم على الأراضي السورية في هذه الفترة لن يستطيع أن يكون بمنأى عن الحراك السياسي والاجتماعي والفكري الذي تشهده سورية، ورغم تمسكي بهويتي الوطنية ورفضي المطلق للتوطين، يتعالى منذ بداية الأزمة شعوري بالمواطنة السورية من حيث الولادة والنشأة، وهو ما دفعني للوقوف مع الحراك الشعبي السوري المطالب بحقوقه.
إن المطلوب اليوم إيجاد حلول لحالة الانسداد السياسي، والعمل على إرساء قواعد العمل المؤسساتي في البلاد، والانتقال بالدولة نحو الديمقراطية والتعددية عبر إصلاحات حقيقية، والتراجع عن الخيار العسكري والأمني، والإصرار على الحوار الوطني كبوابة للخروج من هذه الأزمة التي قد تودي بالبلاد نحو الحرب الأهلية والاقتتال الطائفي، أو التقسيم إلى كانتونات طائفية ومذهبية لكل منها مرجعيتها السياسية، تحديداً في ظل تراجع الشعور بالمواطنة لحساب الطائفة أو المذهب أو المنطقة.