الإخوان
حسب وكالة الصحافة الفرنسية أن السيد أردوغان اقترح قبلاً على الرئيس الأسد إدخال الإخوان في الحكومة السورية من أجل إنهاء الاحتجاجات، ورفض الرئيس ذلك. ولا ندري مدى صحة الخبر، ولكن أيا يكن ذلك، فإن التعرف على الإخوان ضروري لمعرفة مدى صحة وخطأ الموقف منهم.
الإخوان هم بالأصل إنتاج باكستاني، وربما أبوهم الروحي هو الباكستاني أبو الأعلى المودودي.
وقد نشؤوا في مصر في عشرينيات القرن الماضي على يد المؤسس حسن البنّا الذي اغتالته المخابرات المصرية في 1949.. وانتشرت الدعوة الإخوانية في سورية وغيرها في ثلاثينيات القرن الماضي على يد طلاب سوريين درسوا في مصر، منهم مصطفى السباعي الحمصي، وعمر بهاء الدين الأميري الحلبي، وشيوخ دين سوريين زاروا مصر، أو نفوا إليها (محمد سعيد العارفي).
في عام 1953 كانت للإخوان جريدة في سورية، وفي 1973 كان لهم مكتب مرخص في حلب.
طبعاً الدين والتدين يتعلقان بحرية الإنسان، وانتشار الإسلام من الجملة في المنطقة العربية يستوجب الاهتمام به كتراث ثقافي وتاريخي، وكان يمكن أن ينبري الإخوان لهذه المهمة فقهياً وثقافياً، لا فقهياً فقط.. وأن يتعاونوا في مجتمعاتهم وطنياً مع القوى السياسية الأخرى، على أساس ديمقراطي، وأن يأخذوا دورهم في بناء المجتمعات العربية.
بيد أنهم رسموا لأنفسهم دوراً آخر، دوراً طائفياً يجعلهم في تناقض مع القوى السياسية الأخرى، وبالفهم الخاطئ التزمتي للإسلام، جعلوا منه أداة توتر اجتماعي بين الجار وجاره، وبين طائفة وأخرى، في الوقت الذي كانت المجتمعات العربية، ومازالت بحاجة للوحدة الداخلية الصلبة في مواجهة أعداء بلدانها.
أيضاً وضعوا لأنفسهم برنامجاً سياسياً هو إعادة الخلافة.. الأمر غير الواقعي من جهة، ويتضمن شداً للمجتمع إلى الوراء بكل ما تعنيه الكلمة، وبكل ما ينطوي عليه ذلك من عدوانية غير إسلامية تجاه الغير.
لذلك تناقض الإخوان مع النظام الملكي المصري، فحل النقراشي باشا تنظيمهم في أربعينيات القرن الماضي، وتناقضوا مع نظام عبد الناصر، وأدى ذلك إلى ملاحقتهم الدموية المعروفة.
في ثمانينيات القرن الماضي قامت الإدارة الأمريكية بتفعيل الطائفية الإسلامية الإسلامية ضد أفغانستان، ودمرت أفغانستان إلى أن جاء النظام الطالباني، الذي اتخذته نفس الإدارة الأمريكية ذريعة لغزو ذلك البلد المنكوب.
تطعم الإخوان بالقاعدة وبجهاديي الإدارة الأمريكية، وكانوا يختلفون إلى هذا الحد أو ذاك قبلاً.
ففي سورية كان مثلاً، مصطفى السباعي، ومحمد المبارك مؤسس جمعية الشبان المسلمين ديمقراطيين، ومنطقيين في حواراتهما السياسية، ووطنيين، وكان معروف الدواليبي الإخواني الهوى والعضو في حزب الشعب السوري، ذا تاريخ جيد كأستاذ جامعي، وكنائب في البرلمان. ولكن جميع المذكورين لم يكونوا يمثلون نفس سعة الأفق لدى الإخوان. كان لدى الإخوان في كل مكان ورقتان يعتمدان عليهما، أولاً الدعم السعودي (وبالتالي الأمريكي)، وثانياً، استغلال المساجد للدعوة، وفي ذلك مخالفتان للدين والتدين، فالمسجد هو للعبادة، وليس للدعوة السياسية، وعندما كان يستخدم لذلك أيام الخلفاء، ومن الجملة الحرم المكي، كان يقتحم أو يدك، أي كان المسجد يفقد حرمته لدى الخلفاء، واستغلال المسجد يخالف التدين، ففيه خداع للمؤمنين البريئين، الذين قد يتضررون قليلاً أو كثيراً نتيجة ذلك، وفيه عدم احترام لوظيفة المسجد، التي هي للعبادة.
ما يسمونها إمارات إسلامية تحت وصاية أمريكية مباشرة أو غير مباشرة. هذا ليس من الدين في شيء، ويصطدم بكونه غير واقعي. ليس من الدين مساعدة الإدارة الأمريكية في البوسنة، أو في الشيشان أو في الصين أو في الفيليبين أو في نيجيريا أو في الجزائر.
وليس من الدين أن يقوم محامون يتظاهرون بالتزمت، وربما هم غير ذلك، بإقامة دعاوى لتطليق أزواج رغماً عنهم، أو لتقطيع أيدي وأرجل فنانة أو لتحريم فيلم... إلخ.
الطائفية التي تتعامل مع أعداء بلدها لا علاقة لها بالدين، أيا يكن دينها، والطائفية التي تعمل على شق المجتمع وخلق التوتر داخله، لا علاقة لها بالدين، أيا يكن دينها.
المفروض أن يساعد الدين على بناء المجتمع بشكل سليم، وعلى تطويره وعلى مقاومته لأعدائه، وإذا قام الزعماء الطائفيون بغير ذلك، كانوا أولاً غير متدينين، وثانياً أعداء لبلدهم.
في الموضوع الطائفي ثمة عقدة هامة وخطيرة في نفس الوقت: الدين هو ملاذ الفقراء والمهمشين في المجتمعات، ولذا يظن المؤمنون أنهم بالالتصاق بالطائفة يحصلون على الأمان، الذي لا تضمنه لهم إدارات بلدانهم التعسفية والاستغلالية. فالقمع والفساد يساعدان الطائفية على تقوية جذورها في المجتمع، وأيضاً الأنظمة التي ليس لديها ما تعطيه لشعبها تحاول أن تقوي نفسها بتعزيز الطائفية، غير عارفة أن الطائفية ليس لها. مثلاً، حاول الرئيس المصري أنور السادات تقوية مركزه بالطائفية، فلقب بالرئيس «المؤمن» وقتلته الطائفية، أما من يجعل الطائفية أداته الأساسية في كل العالم من التيبت وحتى بولندا، فهو الإدارة الأمريكية، ولا ينس المرء في هذا المجال، أن إسرائيل نفسها كانت وما تزال مشروعاً طائفياً.
الشعب المتدين بأي دين يستحق الاحترام من القوى السياسية الوطنية في كل مجتمع، والعناية بالمهمشين، وأيضاً النهج الوطني هما اللذان ينقذان المجتمع من الطائفية.
أيضاً الإخوان وغيرهم من التشكيلات الطائفية، لا يستطيعون التكامل مع مجتمعهم، إلا بأن يكونوا وطنيين، وبأن يساعدوا على وحدة المجتمع، لا على شقه.
أما إذا كانوا غير ذلك، فإنه حتى «انتصاراتهم» تكون كارثة عليهم وعلى المؤمنين، والشواهد في مناطق عديدة من العالم تشهد على صحة ذلك.
الطائفية هي وضع الإيمان الديني، الذي يجب أن يحمل الراحة الروحية إلى الناس، في خدمة الإدارة الأمريكية. كانت كذلك، وما تزال.