ابن الجنوب يصنع «الكوميديا من الفكرة!»

ابن الجنوب يصنع «الكوميديا من الفكرة!»

«أصنع الأفلام ذاتها تقريباً. لطالما انشغلت بنظام العزلة والتفاوت الطبقي. انطلق دوماً من فكرة وليس فرداً لأحولها إلى كوميديا فجة لأنني أرى أنّها طريقة نبيلة وتراجيدية في عكس مشكلات المجتمع المعاصر».

 

 إيتوري سكولا - صحيفة «لو موند».

 

ودّعت السينما الإيطالية والعالمية مساء الثلاثاء المخرج والسينارست الإيطالي إيتوري سكولا عن 84 عاماً. توفي في روما تاركاً وراءه عشرات الأفلام، رسمت أفلامه، على مدى نصف قرن، «بورتريه» لإيطاليا القرن العشرين،  والتفاوت الطبقي والمعاناة، كتب سكولا وأخرج أكثر من 40 فيلماً روائياً ووثائقياً،  فيما كتب سيناريو لأكثر من 90 فيلماً آخر.

لم يبرع أحد في تجسيد إيطاليا على مدى نصف قرن بدءاً من الحقبة الفاشية حتى بداية القرن الحادي والعشرين، كما فعل إيتوري سكولا. في عام 2011، انسحب من صناعة الأفلام لأنّه «يعجز عن التأقلم مع عالم سينما اليوم، كما كان يفعل في السابق بحب وفرح وخفة. هناك منطق للإنتاج والتوزيع لا يشبهني البتة». سكولا المولود في1931 في قرية تريفيكو في الجنوب الإيطالي، درس المحاماة بدايةً، ثم اختار التفرغ كلياً لعالم السينما. 

يعتبر من الأوائل الذي صنّفوا ضمن فئة «الفتيان السحرة» في الفن السابع الإيطالي. عكست أفلامه التأثيرات الاجتماعية في أعمال عمالقة السينما الإيطالية ما بعد الحرب مثل (فيتوريو دي سيكا، فيدريكو فيلليني، روبرتو روسيليني، أنطونيوني). طعّم أسئلته حول السياسة والإنسانية والسينما بالكوميديا التي رافقت معظم أفلامه. بدءاً من «لقد أحببنا بعضنا كثيراً» نال عام 1974 الجائزة الذهبية في «مهرجان موسكو السينمائي الدولي»، يتناول الفيلم علاقةً بين ثلاثة أصدقاء. يحارب الثلاثة النظام الفاشي في إيطاليا آنذاك حتى سقوطه، بعد ذلك تدور الحياة بهم ويلتقي الأصدقاء بعد سنين، ويتحدثوا عما مر بهم، يرسم سكولا من خلاله الشخصيات التي أفرزتها نهاية الحرب في المجتمع الإيطالي، بدقة لدرجة أنه يمكن تطبيقها على أي مجتمعات خارجة من حروب طاحنة: المثقف القابل للبيع والشراء، التائه الذي يعمل داخل النظام الذي يقبل بأي شيءٍ يفرض عليه، والمناضل القديم الذي يدفع ثمن مبادئه فيبقى –وإن كان سعيداً- من دون مكاسب مادية. 

روى سكولا في فيلم «سيزار» ثلاثين عاماً في تاريخ إيطاليا (1945 ــ 1975)، ويعد بحثاً في التيارات الاجتماعية التي أنتجتها الحرب، ووجّه من خلاله تحية إلى السينما الإيطالية المشغولة بتحولات ما بعد الحرب العالمية الثانية. 

أما فيلم «قبيح، قذر وسيئ»، نال (جائزة أفضل مخرج في «مهرجان كان» في عام 1976)، يعتبر كوميديا فجّة تدور في إحدى عشوائيات روما السبعينات المهددة بالتوحش العمراني الزاحف. أما سكان الحي، فيسترزقون من السرقة والدعارة وواقعون تحت رحمة الأزعر المستبد والأعمى الذي يجسده نينو مانفريدي أيضاً. أما فيلم «يوم استثنائي» (1977)، فيذهب بنا إلى ذروة الفاشية في إيطاليا. 

رؤية سكولا الذي انتمى إلى الحزب الشيوعي الإيطالي، انصبت أساساً جراء كونه قادماً من الجنوب الإيطالي الأكثر فقراً. ورغم أنَّ كثيراً من أفلامه كانت تحدث في روما، إلا أنَّ روح التمرد والثورة كانت ملازمة لآرائه وأفكاره السياسية.