دولة الإخوان والمنطلقات النظرية والفكرية حول المشروع السياسي لسورية المستقبل
المرأة في دولة الإخوان
بعد الإطالة في مديح المرأة الظاهري مع تأكيد عدم أهليتها للشهادة وتبرير عدم أهليتها، يصل المشروع إلى أهم النقاط حول المرأة وهي:
يستعين المشروع بالحديث النبوي الشريف: (ما رأيت ناقصات عقل ودين، أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن) رواه الشيخ وأبو داود.
وأعتقد أن نظرة المشروع للمرأة لا تحتاج إلى شرح بعد الاستعانة بهذا الحديث مع أن الإسلام الحنيف لم يقصر في مساواة الرجل بالمرأة ونفي دونيتها. ولن ندخل في نقاش حول نسب الحديث وصحته إلى عدمه مع أننا نرجح عدم صحته.
ثم إن المشكلة أنه بعد استعانة المشروع بالحديث الشريف لم يعد ممكناً نقاشه، وبالتالي أصبح المطلوب الإقرار بهذه الرؤية منهم، أو تعتبر على الأقل مرتكباً لـ(شعب العصيان) إن لم يكن للكبائر نفسها.
ومن ثم يقرر المشروع أن (البيت هو الميدان الأساسي لعمل المرأة)، وهذا أيضاً كما كل المشروع، خروج عن مقتضيات المجتمع الحديث، ولا أعتقد أن نساء سورية يوافقن على ذلك.
وكما أسلفنا، فإن النظرة للمرأة لدى المشروع أسوأ من ذلك حيث يعتبرها المشروع (عرضاً للرجل)، ويعاقب بـ(هتك عرضه)، أي يعاقب إنسان لا علاقة له بالصراع الحاصل، ويمتد هذا لاعتبار المرأة عرضاً جماعياً للطائفة، الحزب، القبيلة، إذا شاعت لديهم الكبائر، الربا مثلاً أو الاختلاف المذهبي أو الشرك بالله إذا آمنوا بالأولياء حسب ما يتبرك بهم كل شعبنا السوري فهذا شرك بالله بنظر المتشددين. هنا تستحق الطائفة: قتل الذكور + نهب الأموال + هتك العرض أي استعباد المرأة. وبما أن العبودية انتهت مؤخراً فلا يبقى سوى تحويل المرأة إلى عاهرة بجريرة قبيلتها الطائفية المختلفة.
وتنعكس النظرة الإخوانية للمرأة في التعليم إذ يقفون ضد الاختلاط وهو لدينا في الجامعة، فنصبح كما السعودية تحضر الفتاة المحاضرات التي تبث عبر الأجهزة للقاعة المغلقة من المحاضر، فيكون حضورها ممكناً في المنزل أيضاً فلماذا تذهب إلى الجامعة.
الأسرة في مجتمع الإخوان
يرى الإخوان أن الأساس في الأسرة هو الشكل الإسلامي وهو لديهم الذي يبتعد عن حرية المرأة التي تقود إلى (مجهولي النسب) وهي الأسطوانة المعتادة. أي أن المرأة ليست فقط عورة بل أنها إذا أخذت حريتها سوف تستلقي على ظهرها فوراً ويأتي الأولاد أولاد حرام.
مجتمع الإخوان ــ النمو السكاني
تستند سياسة الجماعة في هذا على الحديث النبوي الشريف: (ثم يؤمر الملك بكتابة أربع عمله ورزقه وأجله وشقي وسعيد).
ونحن لا نعارض هذا الحديث الذي ينص على أن الأرزاق بيد الله، وأننا نضيف حديثاً نبوياً شريفاً (تناسلوا تكاثروا أباهي بكم الأمم يوم القيامة). ولكننا نحسب الأمور بالعقل لأن الزيادة غير المحدودة يمكن أن تؤدي لخراب شامل ونستند أيضاً على سيدنا عمر بن الخطاب الذي أوقف الحد في عام الرماد ولم يوزع الأراضي المفتوحة على الجيش الفاتح واحتفظ بها للدولة الإسلامية مخالفاً الآية الكريمة: (واعلموا إنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) الأنفال 40. وذلك أنتج قاعدة فقهية هامة متفق عليها هي (الضرورات تبيح المحظورات) وبما أن الزيادة السكانية المنفلتة ستؤدي لخراب اقتصادي ثم اجتماعي فيجب حظرها وهذا رأي قد يكون صحيحاً أو خطأ. ولكن يجب مناقشته لا الاستسلام للنص.
أما دفاع المشروع فهو أن الله هو الرزاق للزيادة السكانية وجواباً على تحليلات القوى السياسية عن نضوب النفط على ما يبدو فإنهم يقررون أن: (فمن جاء بالنفط إلا رب العالمين) أي اسكتوا فالله سوف يرسل لنا نفطاً آخر. ولم يعد لدينا مجال للنقاش خوفاً من تهمة الإلحاد.
مجتمع الإخوان التعددية العرقية والدينية
ترى الجماعة أن هنالك اضطهاداً طائفياً في سورية، وترى أن هنالك طوائف وقوميات ولم تضع حلاً للتوترات المفترضة مع أنها أعطت الحل في مكان آخر في فقرة الوطن: (سلطة سنية عربية) كما أسلفنا.
ولا أفهم من هذا إلا أنها تفترض وجود حكم طائفي وتريد استبداله بحكم طائفي ــ قومي عربي، وهذا يكرس حكماً طائفياً ــ قومياً، ففي النهاية السنة طائفة من أصل الطوائف السورية، والعرب قومية من قومياتها.
وهذا يتناقض مع استشهاد التقرير نفسه بأقوال السباعي: (المواطنون متساوون بالحقوق) ومع كل الكلام الخلاب الديمقراطي المساواتي الذي يشبه المعلقات.
وهذا يمر في كل التقرير دون استثناء أي الازدواجية: خطاب ديمقراطي عام وحار وجميل يقلب مباشرة في كل موضوع للفكر السلفي الطائفي الأصولي المتشدد المتطرف؟!
سلطة دولة الإخوان
يرد في المشروع: (السلطة في تصورنا الإسلامي، لا تتحرك في فراغ بل إنها تتحرك في دائرة من الثوابت) (بهدى النصوص الشرعية) من المشروع.
إذاً كل السلطات يجب عليها أن تتحرك في إطار التصور الإسلامي، وذلك كما يرى الإخوان الإسلام لا كما هو فعلاً وأية سلطة لا تدور حول هذا فهي باطلة.
في السلطات التشريعية
ثم يأتي مفهوم الحاكمية أي أن (لا حكم إلا الله) وبالتالي فإننا كلنا في سورية، يجب أن نضع الفقه الإخواني الشارح للنصوص أمامنا ولا نخالفه خوفاً من الاتهام بالردة.
وتلح الجماعة على أن التشريع يأتي من أصحاب الاختصاص، وبما أن التشريع مطابق لرؤيتهم المتشددة للإسلام فإن أهل الاختصاص هم مشايخهم.
وللتاريخ فإن هذا الشعار (لا حكم إلا الله) كان شعار الخوارج منذ بدء حركتهم في خلافهم مع الخليفة علي بن أبي طالب بعد اقتتالهم سابقاً. وقد ولد في ظل هذا الاستناد للنص بأصوليته الواضحة نوعان من المستندين للنص بشكل مطلق. نوع أول قاتل من أجل إحلال المبادئ السمحة للإسلام كغزالة الشهيرة في التاريخ التي قاتلت وفريقها لمنع تحول الخلافة إلى ملكية مطلقة فكان مضمونها تقدمياً حيث اقتصرت حروبها على قتال جيش النهب والاستغلال الأموي.
ونوع آخر (يا عيني عليه) وهو من يستعين بالنص (لا حكم إلا لله) لتكفير الناس واستباحة أموالهم ودمهم وعرضهم فكل عام تقريباً كان يخرج من بلدة ما على امتداد المسطح العربي الإسلامي من (يُحكّم) حسب تعبير المؤرخين حيث يقولون مثلاً (حكم أبو حمزة الخارجي فجمع الأعراب واحتل المدينة) فيقتل ويسبي وينهب بتغطية من السلفية.
ولم يتم استخدام (التحكيم)، أي الاستناد للنص حديثاً إلا حين استخدمه الوهابيون لاستباحة شبة الجزيرة العربية المسلمة بدعوى حكم الله، ثم استولوا على كل شيء بما فيه استعباد البشر وسبي النساء. واستكملوا مآثرهم بغزو العراق حيث استباحوا النجف والكوفة سالبين الذهب من مقامات الشيعة ومدمرين المقامات المقدسة لديهم في سابقة لم يجر مثلها في تاريخ المنطقة.
وأكملوا مآثرهم بنهب حوران السورية بالدعاوى نفسها (الحكم لله) مدمرين الكنائس وقرى المسيحيين وكان هذا دافعاً لبقية القرى العربية المسيحية للهرب إلى لبنان لجوءاً من الأعراب. وأصبحوا لبنانيين الآن.
وجاء الإخوان ليتقنوا اللعبة تماماً. ويحاولون الآن تحت هذا الشعار استخراج كل ما هو وحشي في اللاشعور الجماعي كوسيلة للانتشار، والكسب التنظيمي وبإغراء الكسب المادي والصعود الطبقي وأيضاً الوعد بالسبي كما أسلفنا.
والمثير للدهشة أن مشروع الجماعة موجود منذ عدة سنوات ومع ذلك يوجد في سورية من لا يتورع عن التوقيع معهم على وثائق مشتركة. ومهما كانت الدوافع والأهداف البراغماتية من ذلك فإن تفسيره مستحيل إلا بأنهم لم يقرؤوا المشروع وهذا أفظع من الاحتجاج بالتوافق معهم (عذر أقبح من ذنب).
وللشرح أكثر، فهل سيحكم الله جل جلاله بنفسه؟ طبعاً لا، أستغفر الله ممن يدعي ذلك!. فإن ادعاه الوهابيون أو الإخوان فقد ارتكبوا أكبر الكبائر. فلحكم الله معنى مجازي حيث يعني مبادئ الإسلام والاجتهاد المشتق منها، إذاً هنا تقع الواقعة حيث يرى الإخوان أن المبادئ هذه تبيح لهم حسب اجتهادهم المستقى من أبي الأعلى المودوي وابن تيمية قطع رقاب البشر إذا خالفوها، وإن لم يكن كذلك فلماذا أباحوا ذبح الشيوعي لأنه شيوعي؟ (الأستاذ المحامي نزيه الجمالي 1981، والرفيق حسين عاقو 1947) وقتل عمال النظافة لأنهم يعملون بالدولة وهذا كفر!. فاشتغل الشباب في عمل يدخلهم الجنة بسرعة: ما على عضو التنظيم إلا ذبح الجيران الموظفين بالدولة ولو كانوا من الإخوان!. (هيك الشغل).
كنا نتوقع الخروج عن هذا النهج بعد كل التجربة المريرة التي برروها بأنها (رد فعل) على القمع مع أن حريتهم كما نعلم جميعاً أطلقت ما بين 1973 ــ 1977ـ وكانوا يتدربون على السلاح علناً! فإذا كان والحالة هذه رد فعل على منعهم من استلام السلطة، فهل يبرر ذلك إبادة الطوائف + موظفي الدولة تحت الشعار نفسه الذي يعاد طرحه؟
الخطورة تكمن في العقل الإخواني المستقى من عصور الانحطاط. حيث أن نهجهم السلفي لا يرى في (ما الحكم إلا لله) إلا ما رآه ابن تيمية الذي جرى الاستشهاد به في المشروع، ولا نتهمهم ظلماً، ولا يرون هم في ذلك مشكلة. ألا يوجد تفسير آخر لحكم الله إلا عندهم؟ ألن يؤدي ذلك إلى حرب أهلية؟ لا أعتقد أن الناس ستسكت عن تطبيق هذا المفهوم في أية دولة.
ألا يمكن أن يكون الحكم لله هو حرية العبادة والحرية الدينية والسياسية والديمقراطية والمساواة بين الناس ومنع الغني من زيادة ثروته على حساب جوع الفقير؟
في السلطة القضائية
(لا سلطان على القاضي إلا القانون المستمد من الشريعة والذي لايتعارض معها) من المشروع. نص لم يسبق إقراره من أية جهة في العالم، فالقاضي هنا له الحق بتقيد القانون ليس استناداً للدستور الذي هو أعلى منه بل لمبادئ عامة موجودة في الشريعة. وهذه بحر لا قرار له وما نزال نجادل حول أحكام الشريعة منذ 1400 سنة ونختلف وسنظل لأن تفسير القرآن والخلاف حول صحة بعض أحاديث الرسول واختلاف الرواية عن الصحابة الكبار كل هذا يجعل القاضي يفرض رأيه الفقهي المستقل الذي هو أحد الآراء الكثيرة ويعطل مجلس النواب في سابقة تاريخية.
يجب أن تكون القوانين ملزمة للقاضي ما لم تخالف الدستور الذي هو قانون أيضاً، لكنه القانون الأساسي.
في القانون:
(دائرة التطبيق التكاملي لأحكام الشرع كلها: مدنية واجتماعية وسياسية) من المشروع.
أي يمكن مثلاً حل الحزب الشيوعي لتعارضه مع أحكام الشرع والحزب القومي السوري والبعث وأي حزب لا يطابق رؤية الإخوان للشريعة.
ويمكن أن يجبر القانون المرأة على الحجاب لأنه من أحكام الشرع الاجتماعي والإجبار على الصلاة، ويمكن إعلان الجهاد ضد الطوائف أو القوميات. لطفاً الرجوع لفقرة الإنسان.
الأهداف العامة للنظام السياسي
• الأمن والمساواة:
المساواة والأمن للمسلم أما الذمي (وهي المسيحي واليهودي) فـ: البر بهم لمن ارتضى العيش بين جناحيه من المشروع، أي الإسلام. ويلاحظ هنا استخدام عبارة البر بهم أي اعتبارهم تابعين للمسلم ولذلك يُبرُّ بهم، والمسيحي لا يريد ذلك بعد 1400 سنة من انتظار المساواة يريد المواطنة ــ المتساوية تماماً كعدالة ــ وليست مواطنة تبعاً لنظام يبر بهم أو لا يبر، وساعتها يا ويلنا ويا سواد ليلنا. هذا ويجب على الذمي (المسيحي واليهودي) أن يرضى العيش بين جناحي الإسلام المتطرف (أبو الأعلى المودودي ــ ابن تيمية) وهذان صاحبا فلسفة واضحة تعتقد أن المسيحي كافر يجب هدايته، وهذا ينعكس على الذمي.
وهل يمنح هذا النظام الأمن والمساواة لطوائف الأقليات الثلاث يضاف لهم اليزيديون والعلمانيون لا داعي للتكرار لا يمنح وبالعكس سيذهب الأمان والمساواة، ولكن من أين سيأتي الجماعة هنا بمماليك جدد لينفذوا التطهير، لا يوجد حالياً. يوجد يانكي؟!
• العدل:
باختصار هو لديهم العدل بين المسلمين ومنح غيرهم العدل وغيرهم لا يريد منحة.
• الحرية:
ورد في المشروع (وهي أن يمارس الإنسان خياره بين الإيمان والكفر) وهذا متناقض مع فقرات الإنسان والسلطة والوطن تناقضاً شاملاً حيث تتبنى الفقرات الثلاث بالكامل مفهوم الكبائر كما أسلفنا. وعقوبة الكبائر المال والدم والعرض وأكبر الكبائر هي الكفر بالله يوازيه أيضاً الشرك بالله جل جلاله.
إذاً: فليكفر من شاء، ولكن سيتلقى عقوبة في الدنيا والآخرة. والخلاف بيننا على الدنيا فالآخرة بينه وبين الله ويا فضحيتنا أمام المجتمع الدولي إذا نجح الإخوان بقنص السلطة سنصبح ضيوف كل تلفزيونات العالم.
■■
من «كبائر» الإخوان ومفارقاتهم!
من الكبائر في مشروع الإخوان هو: أكل الربا، أي أخذ فائدة عن أموال من بنك (مصرف) وأيضاً الشرك وهو وقف ذاتي حسابه عليه مع ربه... إلخ.
واجتهاداً هنا حول الكبائر يمكن الاستعانة بحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع).
سادتي، إن هذا الخلط بين المجتمع السياسي المدني والمجتمع الديني لم يعد مقبولاً في العالم المعاصر. ومنذ انتهاء عهد محاكم التفتيش في أوروبا انهارت الحكومات (الثيوقراطية) وهذه أول محاولة للعودة إليها. حتى الوهابيون لم يفصلوا حكومة كهذه وتراجعوا الآن عنها تدريجياً. مع أنها كانت حكومة معتدلة قياساً إلى حكومة مشروع الإخوان.
ولنأخذ مثالاً ثانياً: من الكبائر الكبرى هي عدم التنزه من البول. وتستوجب الدم والمال والعرض. كيف ستتم الرقابة عليها. هل سيركب الإخوان كاميرات في الحمامات العامة حتى يصوروا من يبول واقفاً؟!. لأن الوقوف كما هو معروف لا ينزه من البول! ويحضرنا هنا أن صحابياً جليلاً هو سعد بن عبادة رضي الله عنه قتلته الملائكة لتبوله واقفاً. فهل نستطيع الدفاع عن أنفسنا إذا فعلنا وضدنا دليل شرعي؟
أخيراً: لقد وردت عبارة (أهل السنة أقلية دينية كبرى).. إن هذا يعني أن الجماعة تعتبر أن السنة دين وهو ليس كذلك حيث أهل السنة كالشيعة، وكالإسماعيلية.. إلخ.. مذاهب من الدين الإسلامي تتفارق عن بعضها ببعض الأحكام، ولكن هذا لا ينفي الإسلام عن المذاهب الأخرى. وهذه هنا أيضاً ليست زلة قلم. بل المقصود منها خروج كل من لا يوافق على التشدد الإخواني عن دينه الإسلامي، حتى لو كان إسلامياً سمحاً!!