زكريا محمد زكريا محمد

القدح المنيح

قضيت الأشهر الأخيرة محاولاً فك ألغاز لعبة الميسر العربية القديمة التي ألغاها الإسلام: «إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه»، وذلك في سياق كتاب آخر عن ديانة مكة قبل الإسلام. وقد حاول كثيرون، في الماضي على الأخص، فك هذه الألغاز فلم ينجحوا. فقد تحولت اللعبة إلى طلّسم بسبب الانقطاع عنها. وينسب إلى أبي عبيدة، معمر بن المثنى التيمي، وهو الخبير بهذه اللعبة، قوله: «سألت عنه الأعراب [عن هذا الأمر] فقالوا: لا علم لنا بهذا، هذا شيء قد قطعه الإسلام منذ جاء، فلسنا ندري كيف كانوا ييسرون».

 

 

وقد بدا لي أنني، بعد جهد شهور، قد فككت مغاليق هذه اللعبة. غير أنني لن أعرض عليكم ما توصلت إليه هنا، ليس ضنا به، لكن لأنه معقد ويحتاج إلى صفحات.

تقوم اللعبة على أساس شراء جزور، أي ناقة، تنحر وتقطع إلى أجزاء، ويجري التقامر على هذه الأجزاء بين سبعة متقامرين، بسبعة قداح، أي سهام لا نصال لها. وانطلاقا من هذه اللعبة بالذات فنحن ما زلنا نسمي حصة المرء في شركة ما (سهما). أي أن هذا الاسم يغور عميقا في الدين والأسطورة.

على كل حال، كان واحد من الأسئلة المركزية أمامي هو: لماذا تصر المصادر العربية جميعا على أن المتياسرين، أي المقامرين في لعبة الميسر، سبعة فقط، في حين أنهم عند (أيسار لقمان)، المؤسس الأسطوري للعبة، ثمانية: «أيسر من لقمان: هو لقمان بن عاد... وكان له أيسار يضربون معه بالقداح، وهم ثمانية».

إذاً، فثمة مشكلة ما. ثمة واحد ناقص أو زائد هنا.

وقد توصلت إلى أن الحل يكمن في «القدح المنيح»، وهو أشهر سهام الميسر طرا. إذ هو سهم متقلقل؛ يضاف إلى السهام الأغفال، وهي ثلاثة لا ربح لها وخسارة، في لحظة البدء، لكنه يضاف إلى السهام السبعة في لحظة النهاية. أي أنه ثامن من جهة، وعاشر من جهة أخرى. وقد سميت السهام الثلاثة بالأغفال لأنه ليس عليها حزوز تبين حصتها في الربح والخسارة كما هو حال السهام السبعة الأخرى. أي أنها غفل من الحزوز، وخالية منها.

لكن هذا السهم- القدح لا يضاف إلى القداح السبعة كي تصبح ثمانية، كأيسار لقمان، إلا خاسرا. فهذه السبعة يمكن أن تخسر أو أن تربح. أما هو فيضاف إليها كخاسر فقط. فالقدح المنيح هو الخاسر الأبدي.

لا أمل له في الربح أبدا.

إذاً، فهو بالضبط مثلنا. فنحن أيضا خاسرون أبديون.

فحتى لو ثرنا، وقلبنا العالم رأسا على عقب، فسوف يكون النصر للأميركان وآل سعود. ودليل ذلك ربيعنا العربي، الذي يتحول سريعا إلى ربيع أمريكي، وربيع لآل سعود. أي إلى ربيع للأعداء الخارجيين والداخليين.

نحن القدح المنيح.

نحن السهم الخائب.

يقول المثل: (آب وقدح الفوزة المنيح)!! وسوف نؤوب بالقدح المنيح، في ما يبدو.

 

ولأن الأمر كذلك، فأنا أشغل نفسي بلعبة الميسر. ففي هذه اللعبة ثمة رابحون وخاسرون. وأنا أريد أن أحس أن هناك أملا ما بالربح. والوضع العربي لا يتيح لي ذلك.

لذلك، فأنا أقيم فعليا في مكة قبل الإسلام، لا في رام الله. عليه، فلا تستغربوا إن اتصلتم ولم يرد أحد على الهاتف... فالمطلوب موجود في مكة، مكة قبل الإسلام.

■■