سيرة همنغواي من خلال قارب
«قارب همنغواي» آخر نتاج أدبي للكاتب الأميركي بول هندركسون، الأستاذ في جامعة بنسلفانيا، وهو يتعرّض فيه لسيرة حياة الأديب الأميركي الشهير ارنست همنغواي، صاحب العديد من الأعمال الشهيرة، مثل: «وداعا للسلاح»، «ثلوج كليمنجارو». ويشير المؤلف منذ البداية، إلى أنه أمضى سبع سنوات كاملة في إعداد هذا الكتاب، والذي أصبح بعد صدوره مباشرة، في رأس قائمة الكتب الأكثر انتشاراً، في الولايات المتحدة الأميركية.
ويتابع المؤلف خطــا همنغــواي حيث حـل وارتحل، خلال تلك السنوات من حياته، من باريس إلى كوبا، ومروراً بنيويورك وإفريقيا وغيرهما. ولكنه يتابعه أيضاً في مختلف حالاته النفسية وملائكته وشياطينه. وهذا مع التأكيد على أنه كان يبحث باستمرار عن فرصة الإبحار، بقاربه المحبوب، كلما استطاع ذلك، ليعيش لحظات صفائه مع البحر، وليصارع أكبر سمكة يصادفها في مساره. وهذا ما كان قد خلّده في روايته الشهيرة «العجوز والبحر».
ومن المعروف عن همنغواي أنه كان مصاباً بجنون العظمة. وكان كاتباً كبيراً باعتراف الجميع. ولكنه بالوقت نفسه، لم يكن مهذباً في تعامله مع الآخرين. ويقدمه مؤلف الكتاب، بصورة أكثر جمالاً وأكثر إنسانية، بالاعتماد على العديد من المصادر غير المنشورة سابقاً. وكذلك بالاعتماد على مقابلات مع أبناء همنغواي.
ويؤكد عبر ذلك كله، أنه رغم كل ما كان يمكن أن يقترفه من حماقات، وما كان يعاني منه من حالات الانهيار العصبي ومن تعاطيه للكحول. وأيضاً من نوبات الغضب التي كانت تعتريه بين الحين والآخر، ظل قادراً على إظهار الكثير من الكرم، حيال كتّاب عانوا من فترات صعبة، وحيال من عانوا من معارفه، من ضائقة العيش.
وقارب همنغواي، كما يتم وصفه، هو يخت بمحرّك، وطوله 38 قدماً، ومصنوع من خشب الاكاجو المستقدم (من الهندوراس)، وخشب الصفصاف (من كندا). لكن المهم هو أن هذا القارب عرف ثلاث زوجات لهمنغواي، وكذا انفراط عقد كل صداقة من صداقاته، والتحلل البطيء لثقته بنفسه ولصحته العقلية. وكان ذلك خلال السنوات السبع والثلاثين الأخيرة من حياة ارنست همنغـــواي. ومن خلال سيرة حياة ذلك القارب، يقدّم المؤلف سيرة حياة صاحبه.
كان همنغـــواي قد اشترى «بيلار»: القـــارب، في عام 1934 في بروكلين، وأصبــــح منذ ذلك الحيـــن، مسرح لقاءات.
ولا يتردد المؤلف في القول إن «بيلار» القارب، ساهم كثيراً في صياغة أسطـــورة همنغــــواي. وهــذا الكاتب الكبير، كانت أمه تحرص على أن تلبسه أحيانـــاً، ثياب فتــــاة، والذي كان من جرحى الحرب، وعرف انتحــــار والده. وهــــــذه الأمور كلها، جعلت منه أحد أكثر الرجال قسوة في العالم. ولكن بول هندركسون يجعله أكثر إنسانية، حسب ما يرسم صورته. ويحاول دفع القارئ إلى مرافقة همنغواي في قاربه. إنه يدفعه، أي القارئ، للحضور في المشهد، عبر نهر ميتشيغـــان، أو في عرض البحر.
وبسبب كل ما أحاط بحيـــاة الأديــــب الأميركـــي الأكـــثر شهـــرة في العالم، من غمـــوض و»مناطق ظل»، انتهى الأمر به إلى عدم القدرة على الكتابة. ولكـــن هذا لم يمنع هندركسون من القـــول انه وســـط ذلك الكمّ الهائل من الدمار والخراب، استمرّ وجود الجمال.
وفي السنوات الأخيرة من حياته، فقد همنغواي القدرة على الكتابة. وفقد بالوقت نفسه، منزله الذي كان يحبه كثيراً في كوبا.
وانتهى الأمر بأرنست همنغواي، إلى إطلاق رصاصة على نفسه، وضعت حدّاً لحياته المضطربة. وكان ذلك في مزرعته ببلدة كيتشيم في ايداهو، في عام 1961. وبعد يومين فقط من خروجه من مستشفى «مايو» النفسي، إذ تعرّض للعلاج بالصدمات الكهربائية.
ويكرر مؤلف هذا الكتاب، بأشكال مختلفة، حقيقة أن الأسلحة موجودة في كل مكان من قصـــة حياة همنغواي. وكان قد أطلق رصاصاته الأولى عـــلى الخزانة الخشبية العائدة لأسرته. ثم تعاقب إطلاقه الرصاصات، والتي كان آخرها على رأسه.
ويعد الكتاب استثنائياً في ما يقدمه من معلومات، إذ إنها تساعد على فهم أفضل لأحد أكبر الكتّاب الأميركيين في كل العصور.