دقيقتان مع ونستون تشرشل

ونستون تشرشل من الشخصيات الهامة في القرن العشرين، كان متعدد المواهب. فهو خطيب، وكاتب، وسياسي استحوذ على اهتمام الكثيرين في عصره

في  أحد أيام  كانون الأول عام 1941  وبعد انتهاء ونستون تشرشل من خطابه في مجلس العموم الكندي في أوتاوا وذلك لحشد الحكومات في أمريكا الشمالية ضد ألمانيا النازية. وأثناء تواجده في  أروقة مبنى البرلمان، فوجئ  بأحد المصورين الشباب يطلب منه التصوير، فاغتاظ جداً، وانفعل لعدم أخذ إذن مسبق، ولكنه وافق في النهاية على مضض، ثم قال للشاب في غضب: سأمنحك دقيقتين فقط لا غير، أسرع أيها الشاب. وشرع في  إشعال سيجاره الشهير وهو يُزمجر متذمراً: لماذا لم يطلعني أحد على هذا؟ ولكن المصور الفوتوغرافي الأرمني السوري «يوسف كرش» لم يعبأ بما كان تشرشل يبربر به، وطلب منه أن يطفئ سيجاره. فلم يكن  يريد تصوير رئيس وزراء بريطانية بطريقة تقليدية يظهر فيها كما ظهر في كثير من  الصور ممسكاً بسيجاره. تقدم المصور الشاب من رئيس وزراء بريطانية ممسكاً مطفأة سجائر  لكن تشرشل استمر في التدخين ورفض طلب المصور بإزالة السيجار من فمه عندئذ اقترب المصور منه وقال له: «اعذرني يا سيدي». وبهدوء انتزع السيجار من  بين شفتي تشرشل. وبينما كان تشرشل بين الحيرة والاندهاش من هذا الفعل المفاجئ من جانب الشاب كان يوسف كرش أمام الكاميرا يلتقط الصورة بمهارة  الفوتوغرافي القدير. 

وقد سجل المصور المحترف يوسف كرش هذه الدقائق مع ونستون تشرشل في أول كتاب نشره عام 1946 تحت عنوان «وجوه القدر»، فقال: «لم يكن تشرشل في حالة مزاجية تسمح بالتصوير ودقيقتان هما كل ما سمح لي بهما من وقته. كانت الدقيقتان ضئيلتين جداً ويجب عليَّ فيهما أن أحاول أن أضع على الفيلم رجلاً كان بالفعل قد كتب و كتبت عنه مكتبة كاملة. نظر تشرشل إلى كاميرتي كما لو أنه كان ينظر إلى عدو ألماني. وبالغريزة  قمت بإزالة السيجار من فمه وفي هذه اللحظة ازداد عبوس تشرشل عمقاً كان رأسه مدفوعاً إلى الأمام على نحو قتالي وقد وضع يده على وركه في موقف ينم عن الغضب».

 

أحس تشرشل بأنها كانت صورة نادرة فقال للمصور الشاب وقد تغير مزاجه فجأة: «بإمكانك حتى أن تجعل من أسد يزأر يقف  ساكناً ليُصوَّر». وقد دفع هذا التشجيع المصور الشاب ليلتقط صورة أخرى...فكانت الصورة الأخرى  هي ذلك البورتريه الشهير  لرئيس الوزراء البريطاني  الجالس على كرسيه والتي  انتشرت في أنحاء العالم قاطبة.  وقد اعترف تشرشل بعد ذلك بجمال البورتريه الذي استخدم آنذاك على طوابع البريد في بعض دول الكومنولث.