ميكروفون.. ميكروفون
«مالية الجرايد إعلانات: للخريجين والخريجات! أشغال كتير ..راتب كبير ..حاسب ليوم عقلك يطير!» !
هذا المقطع الغنائي مأخوذ من أغنية عصرية تعاد أكثر من مرة، وتتخلل الفيلم المصري «ميكروفون» لتسخر من كل المنابر الإعلامية والسياسية, مترافقة بأغان أخرى يمكن أن تكون صادمة بمعانيها المباشرة ومقاصدها الجارحة أحياناً.
قدمت السينما المصرية قبل سنوات قليلة كثيراً من الأعمال، التي عالجت جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية في مصر بمستوى عال من الجدية والعمق. وشكلت هذه الأفلام، قبل سنوات من انطلاق الحراك الشعبي في مصر، ظاهرة نالت الكثير من الاهتمام والمتابعة, ووصل الكثير منها إلى الجمهور العربي بالرغم من خصوصية مواضيعها وطابعها الحديث والتجريبي أحياناً.
يستطيع المتابع الجيد لهذه الأعمال ملاحظة أهميتها الفنية، وقدرتها على عكس التراكمات ودرجات الاحتقان التي بلغها المجتمع المصري, لكن وبعيداً عن نقاش الجوانب الفنية، وجوانب الإثارة والتشويق السينمائي من جهة, وإذا أخذنا بعين الاعتبار الأهداف التجارية ومستوى «المسحة» الليبرالية في محتوى بعض هذه الأفلام والرسائل التي تريد إيصالها، دون أن يؤثر ذلك كثيراً على عكسها لمجريات الواقع من جهة أخرى، يظل السؤال مطلاً برأسه أمامنا: كيف أمكن للسينما المصرية أن تقدم هذا الاستشراف والتوقع قبل سنوات من انطلاق الحراك الشعبي الهائل؟ حيث يبدو من الواضح جداً أن الواقع في المجتمع المصري قد بلغ درجة عالية من النضج، وأن التناقضات الاجتماعية والسياسية وصلت إلى مستويات خطيرة كافية للانفجار، إلا أن ذلك غير كاف وحده لبناء رؤية كاملة تسمح بالتنبؤ, إذ أن وجود حركة سياسية متطورة وناضجة هو شرط أساسي لبناء الرؤية!
كشف انطلاق الحراك الشعبي في مصر، وعبر مرحلتين متكاملتين مدى بؤس وهشاشة الحركة السياسية التقليدية، وعجز أحزابها القديمة أو «الجديدة» على قيادة الشارع حتى اللحظة على الأقل, واللافت للنظر أن كثيراً من «الحركات والتجمعات السياسية» التي كانت وراء إنتاج هذه الأفلام قد «تبخرت» اليوم فيما كوادرها من فنانين ومنتجين يبحثون عن (ميكروفون) سياسي جديد ناطق باسمهم.