شاعر الأصوات الساحرة..!
تمر في 23 أيلول ذكرى رحيل ريكاردو اليسير نيفتالي المعروف بـ« بابلو نيرودا»، الكاتب والشاعر ابن تشيلي، الذي أثرى أدب أمريكا اللاتينية بأعماله المميزة، وصور المشهد الأدبي والسياسي في أميركا الجنوبية، مرسخاً مفاهيم الحرية والنضال، وناقداً بصراحة ووضوح الأوضاع السياسية التي كانت تعيشها تشيلي فترة الحكم العسكري. والذي توفي في إحدى المصحات بسانتياغو عام 1973.
ولد نيرودا في عام 1904 في قرية بوسط تشيلي. وبعد أن أنهى دراسته الثانوية والجامعية، تنقل بين عدة مهن متواضعة قبل أن ينخرط في العمل الدبلوماسي ويصبح قنصلاً لبلاده في العديد من دول الشرق الأقصى؛ في عام 1918نشر أولى قصائده وعنوانها «عيناي» باسمه الحقيقي، في عام 1920 اختار لنفسه اسماً جديداً هو بابلو نيرودا في قصيدته جزر غريبة . سافر بعدها إلى سانتياغو ليدرس اللغة الفرنسية، ثم تركها وتحول إلى الأدب، وظهر ديوانه الأول «شفقيات» في عام 1923، وتوالت أعماله فنشر بعدها ديوانه «20 قصيدة حب وأغنية يائسة» الذي بشر بميلاد شاعر كبير.
«إسبانيا في قلبي»
تعرف في عام 1933 في الأرجنتين على قيثارة الشاعر الإسباني «غارسيا لوركا» فأصبحا صديقين، وقد قال لوركا مرة عن صديقه نيرودا: «إنه شاعر أقرب إلى الموت منه إلى الفلسفة، وإلى الألم منه إلى الذكاء، وإلى الدمّ منه الى الحبر. إنه شاعر مليء بالأصوات الساحرة التي لا يستطيع هو نفسه،ـ لحسن الحظ، أن يفسرّها». ودفع اغتيال الشاعر الإسباني نيرودا لكتابة مرثيته العظيمة لضحايا الحرب الإسبانية: «إسبانيا في قلبي».
ثم جرى اختياره في عام 1945 نائباً في البرلمان عن منطقة المناجم. وفي عام 1949 هرب من التشيلي عبر الحدود بعد أن عُزل من مجلس الشيوخ؛ وصدر أمر باعتقاله بسبب انحيازه إلى جانب الشعب والجماهير الكادحة ضد قوى الظلم، وهو الذي أكد مراراً في أشعاره: «تستطيعون قطف الزهور لكنكم أبداً لا تستطيعون وقف زحف الربيع». وكان يردد أيضاً: «من كل جريمة تولد رصاصات ستستقر يوماً ما في قلوبكم».
«الشعر سلاحي الوحيد..»
وفي عام1971 فاز نيرودا بجائزة نوبل في الأدب، وعندما عاد إلى تشيلي استقبله الناس باحتفال كبير في استاد «سانتياغو» وكان على رأس الاحتفال الرئيس سلفادور الليندي الذي لقي مصرعه بعد ذلك في الانقلاب الذي قاده بينوشيه. وبعد قتل أليندي جاء جنود بينوشيه إلى بيت بابلو نيرودا، فسألهم الشاعر ماذا تريدون؟ قالوا له جئنا نبحث عن السلاح في بيتك، فرد بعبارته الشهيرة: «إن الشعر هو سلاحي الوحيد ولا أملك سلاحا غيره» ... وبعدها بأيام توفي نيرودا في 23 أيلول عام 1973.
التعبير عن الحياة!
ترك نيرودا ميراثاً ضخماً من الأعمال الأدبية التي أوجدت جيلاً من المهتمين عبّرت كتاباته عن حياتهم وأفكارهم، ومازال إنتاجه الأدبي يتصدر لغات العالم، إذ ترجمت أعماله إلى عدة لغات، ويخترق حدود أمريكا الجنوبية ليصل إلى قراء متعطشين إلى أشعار رقيقة تحكي بشكل فني رفيع حياة مضطربة قلقة، يقول: «أنا شعوب كثيرة وفي صوتي قوة نقية تعبر صمتكم». في أحد اللقاءات الصحفية يؤكد نيرودا انحيازه، من خلال الأدب: «نحن نستمتع حينما نرى الأدب ينحاز إلى جانب الشعب؛ ولكن، نخاف في الوقت نفسه من أن يتحول إلى مجرد موضة، وأن يصير الكاتب من عديمي المقروئية».
تتوزع أعماله بين الشعر والنثر
«الإقامة على الأرض، إسبانيا في القلب، النشيد العام، مائة قصيدة حب، مذكرة الجزيرة السوداء، السيف الملتهب، أحجار السماء، القلب الأصفر..».
«لم أعتقد بأن حياتي ستنقسم يوماً بين الشعر والسياسة»، بدأ بابلو نيرودا خطاب ترشحه لرئاسة تشيلي عن الحزب الشيوعي بهذه العبارة. «أنا من أبناء هذه البلاد، والذين عرفوا لعقود نجاحات وإخفاقات وصعوبات تواجدنا في وطن واحد، ومن شارك الفرح والألم بالقدر نفسه مع كل الشعب. أتيت من طبقة عاملة، ولم أحز في يومٍ ما سلطة، وكنت ولا أزال أعتقد بأن واجبي هو خدمة شعب تشيلي بأفعالي وبقصائدي. عشت وأنا أغني لهم، وأدافع عنهم». سحب نيرودا ترشيحه بعد شهور واستقال من أجل دعم سلفادور الليندي.