«الحب في زمن المراقبة»!
كشفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، أن مكتب التحقيقات الفيدرالي قام بالتجسس على الكاتب الكولومبي غابرييل جارسيا ماركيز، حيث نشرت الصحيفة مؤخراً تقريراً بعنوان «الحب في زمن المراقبة» تناصاً مع عنوان رواية ماركيز «الحب في زمن الكوليرا»، عن وثائق سرية للمخابرات الأمريكية تؤكد خضوع ماركيز للتجسس على مدار 24 عاماً.
لم تعترف الوثائق الرسمية الأمريكية هذه المرة، بالتجسس ضد دولة خطرة أو خصم اعتباري كما يمكن التوقع، بل أقرت واشنطن أن مكتب التحقيقات الفيدرالي انشغل لسنوات طويلة بتتبع ورصد كاتب ومبدع كبير، يملك قلماً خط به روايات هامة حازت على شهرة واسعة، وترجمت إلى معظم لغات العالم.
ماركيز «المخرب»!
تكشف هذه الفضيحة، كما سابقاتها، المدى الذي وصلت إليه أنشطة التجسس الأمريكي في العالم على الحلفاء والخصوم، على حد سواء. بدأت قصة تتبع مبدع «الواقعية السحرية» في العام 1961، حين وصل وزوجته وابنه الرضيع إلى نيويورك، مراسلاً لوكالة الأنباء الكوبية «برنسا لاتينا». ومن الواضح أن عمل ماركيز لصالح مؤسسة كوبية كان كفيلاً بوضعه تحت مراقبة استمرت على مدار 24 عاماً، فقد جرى مواصلة كتابة التقارير عنه حتى بعد أن حاز على جائزة نوبل للأدب عام 1982. وتجسس مكتب التحقيقات الفيدرالي على كل شيء بحياة الكاتب المتوفى عام 2014، وتتبع المخبرون السريون تفاصيل حياة ماركيز، ابتداء من غرفته بالفندق، حيث كان يعيش مع زوجته وابنه الشاب رودريجو جارسيا، ومعلومات عن زائريه وكل من يكلمه.. الخ. وقد بدأ ما يمكن وصفه بإحصاء حركات وسكنات ماركيز منذ أن كان في 33 عاماً من عمره.
لم يخف غابرييل غارسيا ماركيز مواقفه من السياسات الأمريكية، وكان يجاهر بأفكاره الثورية وعدائه للإمبريالية، وبصداقته المتينة مع الزعيم الكوبي فيديل كاسترو. أما واشنطن فقد كانت تعد ماركيز «شخصاً مخرباً»، ورفضت منحه تأشيرة دخول إلى الأراضي الأمريكية، إلى أن قام الرئيس الامريكي بيل كلينتون برفع حظر السفر عنه.
وفى أول تعليق على الخبر أكد نجل الكاتب رودريجو جارسيا، أن أسرته لم تكن على علم بأن والده كان يخضع للمراقبة من جانب مكتب التحقيقات الفيدرالية، على الرغم من أن هذا الأمر لم يفاجئه، وكان متوقعاً على حد تعبيره.
سري للغاية!
وأفصحت صحيفة واشنطن بوست عن وثائق تضم 137 صفحة من التحقيقات التي طالت حياة الكاتب منذ 1961، ولا يزال مكتب التحقيقات الفيدرالية يحتفظ بـ133 صفحة أخرى لم يكشف عنها، وأشارت إلى أن القسم المتبقي من ملف التجسس على ماركيز ويضم 133 صفحة لا يزال تحت تصنيف «سري للغاية»، مضيفة أن دوافع مكتب التحقيقات الفدرالية إلى اقتفاء أثر الكاتب مبهمة تماماً.
أمريكا المريضة!
لا تخفي الولايات المتحدة الـ«مريضة» بالتجسس على حلفائها المقربين وخصومها، نشاطها الاستخباري، ولا تخجل منه. وتظهر التقارير والوثائق المسربة، أن وكالة الأمن القومي الأمريكية تنصتت على الرئيس الفرنسي الحالي فرنسوا هولاند وسلفيه ساركوزي وشيراك وعلى وزراء فرنسيين، بالإضافة إلى التجسس على اتصالات رئيسة البرازيل ديلما روسيف و28 شخصية أخرى بارزة في هذا البلد، وعلى شخصيات بارزة ومؤسسات في اليابان والصين وطال تجسسها منظمة الأمم المتحدة.
كما تنصتت وكالة الأمن القومي الأمريكية على البريد الإلكتروني للرئيس المكسيكي إنريك بينا نيتو وسلفه فيليبي كالديرون، اعتباراً من مايو 2010، وفي 2013، وكشف المتحدث باسم الحكومة الألمانية، شتيفان زايبرت، أن برلين لديها معلومات تفيد بأن الاستخبارات الأمريكية تنصتت على جهاز الهاتف المحمول للمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل. وعلى الاتصالات الهاتفية لملايين الفرنسيين، وهو ما طالبت بعده فرنسا بتوضيحات من السلطات الأمريكية بشأن ما أسمته بـ«برنامج التجسس الكبير».
الولايات المتحدة بهذه السلسلة الطويلة من نشاطات التجسس، تكرس نفسها في دور شرطي العالم سيء السمعة، وهي تتقمص باستمرار دور «الأخ الأكبر»، والوصي العالمي الذي يضع الجميع في مرمى النظر دون أن يترك أي شاردة أو واردة.