عبير سليمان لـ(قاسيون): «لا يمكن لشعر رديء أن يطرب أحداً»!

عبير سليمان لـ(قاسيون): «لا يمكن لشعر رديء أن يطرب أحداً»!

عبير سليمان شاعرة سورية شابة، تعكس رؤيتها وموقفها في الحياة بلغة شعرية مميزة، تحاول إعادة رسم تفاصيل الواقع، ومواجهة قبحه بجرأة. ويفوح من قصائدها  شغف صادق وعميق بالحياة . صدر لها عن دار مؤسسة الروسم للصحافة والنشر ديوان «رسالة من بيدق ميت» وهو باكورة أعمالها الشعرية، بالإضافة إلى رصيد من القصائد المنشورة في عدة دوريات ومواقع إلكترونية.

كان لها مع قاسيون هذه الوقفة:
من البداية كيف تعرف عبير سليمان نفسها؟
حاولت التفكير بكلام يشبهني كجواب على هذا السؤال، إلا أنني آثرتُ الاستعانة  بهذا النص من ديواني لأنجو من حيرتي:
«لستُ لوحةً سرياليّةً،
ولكن...
أصابع العزلة
كانت ترتجف
حين رسمتني  
 فاهتزت الريشة
و بعثرت الألوان،
و تكوّن لدى القماش المُعدّ للرسم..
 انطباعٌ خاطئٌ عني»
 في ديوانك الأوّل، «رسالة من بيدق ميّت»، إلى جانب الحب، قصائدك مسكونة بهاجس الحرب، ما السبب؟
لأنها رائحة البيت والمبنى والحي والشارع ومكان العمل والمدينة المجاورة وأحاديثي مع أسرتي وأصدقائي وزملائي، إنها الحرب.. وقد تركت بصماتها في جميع مسارح جرائمها، والشعر أحد تلك المسارح .
 هناك من يرى أن الشعر حالة خاصة بين الفنون الأخرى، أو أنه حالة «فردية وذاتية فقط»، تعبر عن الذات وهواجسها، هل يكفي الشاعر التعبير عن مكنونات الذات فقط؟ وهل تحتمل اللغة الشّعريّة التعبير عن هموم الحياة اليوميّة والقضايا العامة؟
الشاعرٍ وحيد جداً وغريبٍ جداً عن المكان والزمان اللذين يعيش فيهما، أن يكتب شعراً يلتفُّ كخيطٍ حريري حوله، أن يحوك شرنقته الخاصة ذات اللون الواحد، فإذا برعَ بنسجه سيشدنا حتماً إلى عالمه السحري، وقد ينسينا واقعنا وعوالمنا.
أما عندما تكتب عن هموم الحياة اليومية والقضايا العامة، فهذا يعني أنك بحار في فلك مشحون، عليك أن تروض العاصفة التي  تؤرجح قاربك، أن تراقص الأمواج المتلاطمة، أن تجدف بين زوارق الآخرين دون أن ترتطم بها، عليك أن تقرأ السماء والماء، الرياح والطيور، السكون والجنون، وذاتك كذلك، وعليك أن ترحل كل مرة خلف أفق جديد، وهنا يكون  فضاؤك الشعري أرحب  وأكثر غنى.
 من المفارقات الواضحة في الساحة الشعرية اليوم، الازدحام الشديد بالأسماء والدواوين المنشورة، وقلة القراءات أوالقراءة بشكل عام، بالمقابل نلاحظ نشوء حالة جديدة ومميزة مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي التي أعطت مساحات واسعة لكثيرين ليقولوا ما لا يستطيعون قوله في المنابر، هل يؤثر هذا على العملية الإبداعية، وما رأيك هذه الحالة؟
قلة القراءة أو قراءة الرائج والشعبي والمكرَّس فحسب، ظاهرةٌ سلبية تؤذي ثقافة الفرد عموماً، كما أن تراكم الكم على حساب النوع، قد يجعل الحكم مجحفاً بحق المشاريع الشعرية الحقيقية، إذ ربما يبتعد الناس عنها قبل الاطلاع عليها لظنّهم أنها لا تقدم جديداً.
أعتقد أن لمواقع التواصل الاجتماعي أثر إيجابي على الكتابة، فلقد حطمت ظاهرة احتكار المنابر من قبل أسماء متكررة، وجهات مسيسة، وشبكات إعلامية عبثية. شخصياً؛ لا أجد مشكلة في قول أي شخص ما يريده، أو محاولة أي إنسان عادي تجريب الكتابة. ألمس تبرّم كثير من الشعراء بسبب الازدحام الذي تحدثتِ عنه، أفسر الأمر بأنانية البعض حيناً وبالانحياز المبرر للبعض الآخر للشعر «الأسمى» تارةً، وبخوف البعض من ظهور منافسين يطيحون بهم تارة أخرى، إلا أنني شخصياً أتفهم حاجة الإنسان للتعبير عما يجول في داخله وأحترمها، وفي النهاية، لا يمكن لبناء هش أن يدوم، ولا لشعر رديء أن يطرب أحداً.
الإنسان ابن بيئته، كيف تقيمين الحالة الثقافية في مدينتك«اللاذقية»؟ وماذا عن تجربتك في هذا الواقع؟
في اللاذقية يوجد مثقفون كثر، قد يظن البعض أنني أبالغ عندما ألقب بعض مبدعينا بالعالميين المغمورين، ثمة مبدعون في كل المجالات، شعر وفنون تشكيلية ونحت وموسيقا، لكن للأسف لا يوجد تظاهرات ثقافية ترقى للمستوى المرجو، تستحق مدينة فيها هذا الكم الهائل من الطاقات البشرية مهرجانات وملتقيات ومنتديات تجذب المبدعين الشباب وتحفزهم، وتحررنا من المناسبات الخشبية بأساليبها القديمة، والتي جعلت الجميع؛ شيباً وشباناً ينفرون من التواجد فيها.
عن الواقع الثقافي بالعموم في البلاد وخصوصاً في فترة الأزمة أضافت:
كشفت الأزمة وجود ثغرات كثيرة، فكثير من مناطق سورية كانت مهمشة، غائبة او مغيبة عن المشاركة في الحياة الثقافية العامة، وللأسف هناك تباين كبير بين ثقافة منطقة ومنطقة، وأحياناً بين حي وآخر في المدينة نفسها، وهذا باعتقادي سبب ساهم في تعميق الأزمة.
دور الدولة أمام هذا الواقع؟ والمآلات التي تنتظرنا في المجال الثقافي بعامة والشعر بخاصة؟
دور الدولة هو الأساسي طبعاً، فعلى عاتقها يقع بناء الإنسان، يبدأ هذا من المدرسة ويحتاج حتماً إلى مراكز ومنظمات وهيئات ثقافية، تعمل على الارتقاء بالفرد، وتأهيله جيداً ليساهم بشكل إيجابي وراقٍ في المجتمع.
أعتقد أننا نحتاج إلى تغيير، وخلخلة وإعادة هيكلة، بغية تحسين الواقع الحالي، أن تتاح سبل العلم والمعرفة كلها، أن نوفر الكتاب والمكتبات العامة في الأماكن جميعها، أن نعمل على خلق الإنسان السوري المحب للقراءة والشغف بالمعرفة منذ مراحل التعليم المبكرة.
 ما الذي يمكن أن يتضمنه مشروع ثقافي وطني جامع في سورية؟
أي مشروع وطني ثقافي جديد، يجب أن يتمتع بالمرونة، أن ينطلق من كل مدينة ومن كل قرية، لا أن يكون حكراً على مدينة كبرى. أن تكون الغاية صناعة الثقافة وتطويرها في المجالات كلها ، لا العمل على صناعة نجوم معينين والتكريس لهم وإهمال سواهم. يتحقق هذا باستقلالية كل مدينة ثقافياً وإعلامياً، لتعود ويلتقي الجميع في النهاية، عندما يكون لكل مدينة نخبة تقدمها في مهرجانات أو فعاليات يشارك فيها السوريون كلهم ، ويأخذ الجميع فرصاً عادلة في هذا المجال، ستخلق حالة إبداعية مميزة يمكن أن تؤسس لمرحلة جديدة يجري فيها تطوير الجميل الموجود والبناء عليه لاحقاً.