علامة فارقة.. في التاريخ

علامة فارقة.. في التاريخ

تمر في 24 تموز ذكرى معركة ميسلون (1920)، الرسالة المُلهمة التي بادر إلى كتابتها يوسف العظمة ورفاقه بدمائهم، وأسسوا من خلالها لمرحلة هامة في تاريخ سورية الحديث، عنوانها المقاومة، التي تؤسس للنصر

تكمن مأثرة العظمة في أنه استطاع الارتقاء إلى مستوى الحدث، وإدراك الضرورة التاريخية والوطنية التي فرضتها الظروف حينها، وقدم نموذج بطولة واعية، ورفض فكرة التخاذل وقبول الانهزام، وعدّ تسريح الجيش خطأ قاتلاً وأعلن أنه سيقود هذه المعركة بنفسه، وقال: يجب ألا يسجل التاريخ بأن الغزاة احتلوا سورية دون مقاومة.

لم يتخذ يوسف العظمة موقف الدفاع عن البلاد اعتباطياً، بل كان موقفه مدروساً ومحسوباً،  كان يعرف نتائجه مسبقاً، رفض تقديم استقالته من الحكومة التي تم حلها تحت ضغط شروط حملة «غورو»، ورفض حل الجيش وقرر الدخول في مواجهة محسومة النتائج بالمعنى العسكري، عارفاً أنه سيدفع حياته ثمناً لها، فخاطب الجنود في ميسلون قائلاً: «لن ننسحب ولو متنا عن آخرنا، ومرّوا على أجسادنا فنحن لا نحب أن نراهم يدنسون تراب الوطن، وإن كنا نعرف مسبقاً أن قواتنا أقل من جيوشهم بكثير». 

كان العظمة قائداً واعياً لواجبه التاريخي، استطاع بما قدر أن يجمعه من فلول الجيش المسرح ومن جماهير المتطوعين، بتلك الذخيرة اليسيرة، وتلك الأسلحة المتواضعة أن ينظم دفاعاً استطاع أن يصمد ثلاث ساعات في وجه واحد من أعتى الجيوش الأوروبية التي خرجت حديثاً منتصرة من الحرب العالمية الأولى. وكان إلى جانب ذلك رجل معرفة،  يتكلم عدة لغات، إضافة إلى العربية، كان يجيد التركية والفرنسية والألمانية.  تولى وزارة الحربية سنة 1920 بعد قيام الدولة في دمشق، فنظم جيشاً وطنياً يناهز عدده عشرة آلاف جندي.   

وكان عسكرياً كفوءاً، يشهد بجدارته أعداؤه، قال الجنرال غوايبيه قائد الجانب الفرنسي عن العظمة: «كان ذكياً، طموحاً، فكان بذلك عدوّاً لا يمكن استمالته.. لقد كان نشيطاً ومثابراً في قضية تنظيم الجيش العربي، وعلى هذا لم يكن أبداً عدواً يُستهان به» أما الجنرال غورو فقد وصفه: « كان هذا الضابط عدواً شرساً..».

تتعدد دواعي استحضار معركة ميسلون، إذ لا يمكن إنكار دورها في تكوين الوعي الجمعي للشعب السوري الذي أسهم في بناء موقفه الوطني لتتبلور إحدى أهم خصائصه.