نحن و«السويد»..

نحن و«السويد»..

تناقلت العديد من المواقع الإلكترونية والمنابر الإخبارية السورية بـ«حبور» تقريراً أعدته أحدى القنوات التلفزيونية السويدية وهو يتحدث عن نسبة حملة الشهادات الأكاديمية، من اللاجئين السوريين المتدفقين إلى السويد مؤكداً أن أكثر من ثلث السوريين هناك يحملون شهادات التعليم الجامعي، بدا وكأن الخبر يحمل في طياته نوعاً ما من «الإنجاز»، ربما تجاهل البعض عبارة «في السويد» أساساً واكتفى بالرقص حول كلمة «تفوق السوريين».

 

بدأ الخبر بالانتشار، وتوسع الكثيرون في سرد أجزاء أخرى من التقرير الصادر عن السويد، والمثير للاهتمام، حيث اعتمدت الدراسة في نتائجها على تحليل مستويات التعليم لجميع القادمين الجدد، ووجدت أن 37 %  من السوريين الذين وصلوا في عام 2014 يتمتعون بالتعليم ما بعد الثانوي، بالإضافة إلى أن نسبة السوريين الذين أنهوا تعليمهم الأكاديمي في الكليات والجامعات، وحملوا شهاداتهم معهم إلى السويد بلغت أكثر من الثلث، وتابع التقرير موضحاً أن عدد الأكاديميين السوريين الذين تقدموا بطلبات للموافقة على شهاداتهم وتدريبهم الجامعي، خلال عام 2014 بلغ حوالي 1700 طلب، وهو أعلى رقم، لم تحققه أية مجموعة من اللاجئين السابقين في السويد حتى الآن.

تعددت الآراء.. والمصيبة واحدة! 

أخذ هذه التقرير نصيبه من الأخذ والرد على صفحات التواصل الاجتماعي كما جرت العادة، فقد اعتبره فريق من المتابعين أنه يشكل ضربة مركزة لجميع الأنباء التي لوثت صورة اللاجئين في أنحاء أوروبا! خاصة بعد الضجة التي أثيرت حولهم سابقاً في الإعلام، وما رافقها من توصيفات وتحليلات عنهم، فقد وصفتهم في كثير من الأحيان بالسارقين، والعابثين الذين استغلوا أوضاعهم للحصول على «تعاطف» الكثير من الحكومات مع الأحداث الدموية الجارية في طول البلاد وعرضها. بينما أخذت العاطفة فريقاً آخر، فبدأ يستفيض في الحديث عن تميز «العقل السوري» عن مثيله في المحيط العربي، وإمكانياته وقدرته على تحقيق المعجزات في الأوقات الصعبة!

مع ذلك استطاعت قلة قليلة من المتابعين، أن تنظر إلى الخبر بشكل آخر، فيه شيء من الموضوعية والتوازن، إذ لم يكن في نظرها سوى مجرد خبر حزين للغاية، أنه إعلان واضح عن «مجزرة» سورية أخرى، تستهدف عقول خيرة شبابها هذه المرة. بالطبع اتُهم أصحاب هذه الاتجاه بالسوداوية و«تحجيم الإنجازات السورية»! مع أن الجميع يعلم في قرارة نفسه بأن وجهة نظرهم هذه تحوي الكثير من الدقة، ولن نحتاج إلى الكثير من الوقت حتى يتحول هذا الهاجس إلى واقع ملموس دائم.

النوافذ الضيقة..!

يستدعي هذا التقرير، القادم من السويد، كثيراً من الانتباه، ويستلزم المزيد من التدقيق والمتابعة، فهو يحمل في طياته مؤشراً خطيراً، يشير إلى مستقبل مظلم ينتظر السوريين جميعاً، وهو كغيره من التقارير التي تصدر كل يوم عن حال اللاجئين السوريين، ومعاناتهم الشديدة، المتعددة الوجوه، وعليه أن يدفع الجميع إلى البحث ملياً عن حلول ناجعة لهذا النزيف غير المسبوق، وإيقاف هذه الكارثة، والتي يعتقد البعض أن حلها سيكون بإغلاق الحدود في وجه الهاربين من آتون الحرب الحارقة!

 عليه أن يدفع إلى محاسبة من يساهم بشكل متعمد في «تطفيش» أولئك الشباب، من خلال إغلاق ما تبقى من النوافذ الضيقة، التي اعتادوا على التنفس من خلالها طوال السنين الأخيرة، عليه أن يدفع إلى الخروج من حالة اللامبالاة التي لم تعتد النظر أبعد من أنفها.  والذهاب إلى حلول فعلية تحقق ما يريده كل السوريون، وتعيد لهم أحلامهم المسروقة. لا نستطيع أن نخفي تلك الحرقة المريرة التي نشعر بها كلما رأينا صورة لهم في مطار ما يبعد آلاف الكيلومترات عن مكانهم الطبيعي بين أهلهم وأحبابهم.