غير صالحة لليأس..!
الحرب خسارة. كل يوم يمر، تزداد خسائر السوريين وتتراكم، تتهشم النفوس وتتداعى الآمال، تنفث الحرب نارها، وتحرق الأخضر واليابس، وتحاول النيل من الإنسان. تكاد لا تخلو عائلة سورية من نكبة ما، بهذا المستوى أو ذاك، ويكاد لا يخلو مجلس من حديث عن الأوضاع الراهنة، وعن المآلات. يتحدث الجميع لغة واحدة، لغة الوجع التي يتشاركونها والمصائب التي زلزلت حياتهم، والمصير الذي ينتظر البلاد والعباد.
وبينما يواصل البشر سعيهم اليومي لتأمين ضروريات الحياة الأساسية متحدين الموت الذي يمد يده ويقطف الأرواح، تمتلئ الشاشات بضجيج التحليلات ويتخم الفضاء بالوعود الكاذبة، في محاولة لتثبيت عدم جدوى أي حل ممكن مهما بلغت درجة نضوجه، وتأكيد الواقع الموضوعي له.
«بروباغندا» اليأس!
ربما تفيد مثل هكذا «بروباغندا» مؤقتاً بوضع الناس أمام خيارات زائفة، أو إشاعة اليأس والإحباط، وبما أنه لا يتسنى للمواطن العادي في كثير من الأحيان رؤية تلك العمليات العميقة الجارية نحو الحلول السياسية، من خلال العين المجردة من ناحية، ولكونها تجري بمشاركة قوى مشكوك في رغبتها أصلاً بالحل السياسي، حسب تجربة المواطن مع هذه القوى من ناحية أخرى، تتراكم أجواء الإحباط، وتفعل وسائل الإعلام فعلها في تثبيت هذه الحالة، الأمر الذي يفقد ثقة المواطن بأي حل ممكن أو قريب.
يبدو واقعياً في الظروف الحالية أن يعيش الإنسان السوري حالة شعورية مستفزة دائماً، يكتنفها الشعور بالقلق والتوتر الدائم، ومشاعر أخرى من شأنها أن تفقد أي إنسان طبيعي حالة التوازن المطلوبة. وتجعله أسيراً لليأس والإحباط. وتزداد الحالة سوءاً كلما تعقدت الأمور. ولكنها تواجهه بأسئلة حرجة، وماذا بعد؟ الكل يترقب متوجساً من فصول أكثر قسوة ووحشية .. يتأمل البعض أن ينتهي كل هذا حتماً، إذ لابد له أن من نهاية، ويرد عليهم آخرون مستغربين: ومن أين لكم الأمل؟
يبدو تدمير العالم الروحي للإنسان السوري وإيصاله إلى حالة اليأس، مسألة ثانوية أمام ما حصل ويحصل رغم تعقيدها، فالنتائج المترتبة عن الأزمة في جانبها النفسي ستظهر لاحقاً، مهما كانت أسبابها، سواء القتل أو النزوح أو تهتك النسيج الاجتماعي، وهي من أعقد المسائل، ونتائجها من أعقد نتائج الأزمة وأخطرها، وإن كانت تبدو غير ذلك.
خارج قوس!
ولكن ذلك بالمقابل يوضح ضرورة التفكير، وتسهيل الطريق أمام الحلول، فالواقع الموضوعي يؤكد إمكانية الحل، والمطلوب ليس فقط من وسائل الإعلام، بل من الفعاليات الثقافية والسياسية أن تتحمل مسؤوليتها تجاه البلاد والعباد، وتتعامل مع المسألة بجدية منطلقة من قراءة علمية موضوعية متكاملة، تقول أن الظرف الموضوعي يفترض حلولاً، بدلاً من حديث الدم والحرب والندب والنواح من جهة، فهذه الفعاليات نفسها لن تكون خارج قوس ضمن عملية إعادة القراءة الشاملة التي ستتفعل خلال الحل وبعده، وإذا كانت تتزعم المنابر اليوم فإنّ أي مدرك لمآلات الأمور لن يحسدها على ما توقع نفسها فيه من تناقضات، ستسأل عنها جميعها لاحقاً..
من جهة أخرى يمكن للواقع الموضوعي أن يحوّل حالة اليأس السائدة إلى طاقة كامنة باتجاه مغاير، عندما تسنح له الفرصة بذلك، أي عندما تبدأ الحلول السياسية في جانبها الإجرائي. سيكون ذلك تثبيتاً ليقين بأن السوريين قادرون على هزيمة الموت.
حقيقة أخرى!
وخلف كل محاولات نشر الاحباط تتوارى حقيقة أساسية دائماً، هي محاولة إقناع السوريين بأنّ لا حول لهم ولا قوة، وبأنهم سيبقون أبداً موضعاً للتغيرات الدائمة التي يحددها بضعة سياسيين من هذا الطرف أو ذاك، وذلك في استباق على المرحلة القادمة بلا ريب والتي سيكون فيها لصوت السوريين وقعه وتأثيره في مسارات الأمور جميعها.. فليس ثمة شعار رنان يمكن أن ينطلي اليوم على أحد من منتجي سورية وفقرائها الذين يصبون عرقهم ودمهم في هذه الأرض فيمتصه الفاسدون واللصوص من الجهتين. وهم إذ يبدون محبطين أو يائسين اليوم فإنّ احباطهم هذا لن يلبث أن يتحول غضباً عارماً مزلزلاً، يعيد ترتيب البلد على النحو الذي يخدم أهله ويحارب أعداءه كما ينبغي لهذه الأمور أن تنفذ وليس على الطريقة الشعاراتية الفارغة التي يتبجح فيها فاسدو الطرفين.. لن يعمر اليأس طويلاً في الأرض السورية، فهي أرض غير صالحة لإنبات اليأس!