كلينتون.. والخنازير.. !!
بدأت حمى الانتخابات الرئاسية تجتاح كل بيت أمريكي هذه الأيام، إعلانات وبرامج انتخابية تدعو الجميع للمشاركة في هذا الحدث «الديمقراطي» المميز، تتناقل وكالات الأنباء آخر الأنباء عن نشاطات المرشحين وجهدهم الحثيث، لكسب أصوات العامة من الناس، لكن انتخابات هذه السنة حملت بعض القصص الأخرى، التي تبدو وكأنها تعود لتطل برأسها كل حين، لا.. إنها لن تتعلق أبداً بمعدلات البطالة، أو سوء الوضع الصحي، أو حتى تفاصيل العنف، ضد المجتمعات الملونة المهمشة، إنها تتحدث عن الجزء الأكثر أهمية في أي عملية انتخابية: المال.
أعلنت اللجنة الفيدرالية الأمريكية لمراقبة الانتخابات هذه السنة، أنها لن تكون مسؤولة عن مراقبة تدفق الأموال إلى الحملات الانتخابية للمرشحين، وقال المتحدث باسم هذه اللجنة المختلطة حزبياً: بأن أعضاءها قد ضاقوا ذرعاً بما يحصل لكنهم لا يستطيعون فعل شيء حيال ذلك.
عبر الخبر شاشات التلفزة الأمريكية بكل يسر دون أن يتوقف عنده أحد، لكن الجميع أنصت باهتمام، حين تناقلت جميع وكالات الأخبار معلومات عن تورط «مؤسسة كلينتون الخيرية» التي تشرف عليها العائلة الشهيرة، في تمويل حملة المرشحة المحظوظة «هيلاري كلينتون» زوجة الرئيس الأمريكية الأسبق، أي أن الأموال التي ترد غالباً من خارج البلاد ساهمت وتساهم في دعم «جهودها الانتخابية»، أثار ذلك حفيظة معظم المعلقين والمتابعين، وبدأت التقارير تستفيض في تفنيد العواقب القانونية لمثل تلك الأفعال، لكنهم جميعاً رأوا بأن المصيبة لم تتعلق أبداً بالغاية من تلك التبرعات، أو مقصد المتبرع منها، استاء الجميع لأنها «أموال أجنبية».. فقط.
هكذا يجري اختيار القادة!
إليكم مثالاً عن طريقة جمع أموال الانتخابات في أمريكا هذه الأيام، حيث قامت السيدة «هيلاري» بتنظيم حفل عشاء خيري في دار مصممة الأزياء الأمريكية «ليزا بيري»، وكان الحفل بالطبع برعاية «منظمة كلينتون الخيرية»، فكان زوج المصممة «ريتشارد بيري» أول المتبرعين بحوالي نصف مليون دولار، وذهبت أمواله «للجمعية الخيرية»، تلا ذلك حفل عشاء آخر في بيت صديقة كلينتون الحميمة «اليزابيث بيغلي»، سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية السابقة في البرتغال، تبرعت اليزابيث وزوجها بخمسة ملايين للجمعية الخيرية بكل طيب خاطر!
قفزت كلينتون بعد ذلك إلى سان فرانسيسكو ولوس أنجلس ونيوجرسي في بيوت «الأصدقاء» و«الداعمين» وفي أفخر المطاعم وأبهى الفنادق، يبدو العمل «الخيري» مرهقاً لكنه لأسباب إنسانية بالتأكيد، لكن الجميع يعلم بأن فريق كلينتون قد خطً لائحة طويلة من الخدمات التي سيؤديها للمتبرعين تباعاً فور وصوله إلى مكتب الرئاسة، ولن ينسى أحداً على الإطلاق، كيف له ذلك بعد أن ذكرت بعض التقارير بأن حصيلة الجمعية الخيرية قد بلغت حدود الثلاثة مليار دولار أمريكي؟
إذا عُرف السبب بطل العجب!
يعيد كل ذلك إلى الأذهان، قصة أخرى حدثت منذ وقت ليس ببعيد، لكنها لم تنل نصيبها من التدقيق والمتابعة، هي بعيدة عن عواصف الانتخابات الرئاسية الأمريكية، تقع أحداثها في «نيوجرسي» التي تشتهر هذه الأيام بحاكم الولاية «كريس كريستي» المثير للاهتمام بالفعل، فقد احتل هذا الرجل شاشات البلاد لبعض الوقت، بمواقفه الغبية إلى درجة الضحك، وطريقته في الكلام، والتعامل مع الصحافة والعدسات، لم ينس أبناء ساحل نيوجرسي الضيق حين خاطبهم «كريس» قبيل إعصار ساندي الأخير معلناً خطة للطوارئ قائلاً بكل بلادة: «لا تكونوا أغبياء.. اخرجوا من بيوتكم واهربوا..»، هذا الرجل نال نصيبه من السخرية، لكنه بقي محافظاً على منصبه لمدة طويلة، إنه الرجل الذي أعيد انتخابه مرتين وبفرق 22 بالمائة من الأصوات عن أقرب منافسيه! إنه الرجل الذي أثار حفيظة جميع الأمريكيين حين صوت بـ: «لا» على قرار يقترح منع تقييد الخنازير في المزارع بأقفاص حديدية ضيقة طوال حياتها، بدا الرجل عديم الرحمة حين منع تمرير هذا القرار، وأصبح عدو جميع هيئات الدفاع عن حقوق الحيوان في أنحاء أمريكا كافة، لقد وقف الرجل بكل بصلابة أمام قرار صوت عليه بالموافقة أبناء الولاية، ومجلسها التشريعي، ومجلس نوابها بأغلبية ساحقة، وفي ولاية لا تعتمد أصلاً على منتجات الخنزير بشكل كبير، هنالك سبب هام لاهتمام «كريس» بهذه القضية، إنه داعمه الأكبر «ايوان بيرزراستن»،أحد أعتى تجار اللحوم والمنتجات الزراعية في الولايات المتحدة الأمريكية على الإطلاق، قصة الإخلاص والوفاء بين «ايوان» و«كريس» هي التي تستحق الأضواء، وهي القصة الأكثر وضوحاً وصراحة حول الديمقراطية الأمريكية «الخضراء».