«نجمة ميسلون»..

«نجمة ميسلون»..

تحدت زمنها  وخرجت عن أعرافه، ولم ترض بأن تبقى حبيسة الجدران، فكانت المقاتلة، والكاتبة، والثائرة، وصاحبة الهم المجتمعي والسياسي والثقافي، قاتلت المستعمر بالكلمة والسلاح.. وشاركت في صنع تاريخ بلدها.

ألقاب عديدة وصفت بها، (جان دارك الشرق، نجمة ميسلون، الوردة الدمشقية، السيف الدمشقي المنسي، الياسمينة المنسية، ورائدة تحرر المرأة السورية).

ولدت نازك العابد في دمشق عام 1887 من أسرة دمشقية عريقة، نفيت مع عائلتها في الحرب العالمية الأولى إلى «أزمير»، ثم تابعت تحصيلها العلمي في المعاهد الخاصة للتعليم بالإضافة إلى تعلم فنون التصوير والموسيقا (البيانو)، واهتمام جلي بالإلمام بعلمي التمريض والإسعاف.

تعلمت اللغات الأوروبية كالفرنسية والألمانية والإنكليزية، وكتبت في مجلات عربية رائدة كمجلة العروس (لصاحبتها ماري عجمي)، ومجلة الحارس، نشرت في مقالاتها أفكاراً تنويرية ودعوة إلى تحرر المرأة.

أرادت أن يكون لها دور في مجريات الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين عام 1916 ، فأسست جمعية نور الفيحاء لمساعدة ضحايا الثورة، وتحدثت بلسان الجمعية واستكتبت سيدات دمشق العرائض اللازمة لتأييد الاستقلال، و قادت تظاهرت نساء المعارضة.

عُينت، رئيسة لجمعية النجمة الحمراء عام 1920، لتصدر في أول شباط /1920/ مجلة «نور الفيحاء» وهي مجلة أدبية اجتماعية، بهدف النهوض بالمرأة، كذلك أسهمت في تأسيس «النادي النسائي الشامي» الذي ضم نخبة سيدات الشام، ومدرسة بنات الشهداء ومكتبتها، كذلك أسهمت في إنشاء مصنع للسجاد - كان يخصص ريع المبيعات لصالح الأيتام-، منحت رتبة عسكرية فخرية «نقيب» في الجيش نتيجة لمواقفها البطولية والوطنية.

نازك العابد في ميسلون

وارتدت البزة العسكرية وشاركت في معركة ميسلون وأنقذت الكثير من مصابي المعركة من رفاقها، وكانت شاهدة على لحظة استشهاد وزير الدفاع البطل يوسف العظمة أثناء محاولاتها إنقاذه.

وبدخول القوات الفرنسية أرض الوطن، بدأت «نازك العابد» نضالها ضد المستعمر ووقفت مع نساء دمشق في الاحتجاج على الانتداب الفرنسي؛ من خلال تنظيم مظاهرات تطالب برحيل قوات الاحتلال، والاستقلال والحرية، وعليه بدأت «نازك» نضالها بالوسائل المتاحة، فضاق الانتداب الفرنسي ذرعاً بنشاطها، ورصدتها شرطته، فأغلقت المجلة والمدرسة، ومنعتها من عقد ندوات خاصة وعامة.

أصدر الفرنسيون قراراً بنفيها إلى اسطنبول لمدة عامين، وعند عودتها رصد الفرنسيين تحركاتها لإدراكهم مدى خطورة نشاطها. تعرضت نازك العابد بسبب شجاعتها وإقدامها ونشاطها الوطني، لمضايقات شتى، وفرضت عليها الإقامة الإجبارية في مزرعتها الخاصة في ضواحي دمشق، فاشتغلت بالزراعة، وتعايشت مع الأهالي، وساعدتهم في تطوير العمل الزراعي، واستمرت في إذكاء روح الثورة على المستعمر، وشاركت في الثورة السورية الكبرى عام 1925.

نشاطات متعددة

 أسست الكثير من الجمعيات منها  جمعية المرأة العاملة، وميتماً لتربية بنات شهداء لبنان.. وجمعية مكافحة البغاء، وبعد نكبة فلسطين عام 1948 أسست نازك جمعية لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين. في عام 1957وبعدما  أصبحت في السبعين من عمرها أسست لجنة للأمهات تعمل على رفع مستوى الأم اللبنانية في كافة مجالات الحياة. وفي عام 1959 انتخبت نازك رئيسة لها.

توفيت نازك العابد في شهر آب من العام نفسه في بيروت عن اثنين وسبعين عاماً قضتها في النضال والدفاع عن الوطن،  ومحاولة فتح عيون بنات جيلها على الحياة والثقافة والسعي الى المساواة مع الرجل.

يذكر أن الرحالة والكاتبة الإنكليزية «روزيتا فوريس» جعلت من مواقف نازك العابد حبكة لروايتها «سؤال» التي نشرتها عام 1922.