« 2015 عيشها غير».. حبكة هندية للأزمة السورية

« 2015 عيشها غير».. حبكة هندية للأزمة السورية

« 2015 عيشها غير ...!» تترك هذه العبارة للوهلة الأولى انطباعاً لدى المتلقي بأن هناك سبلاً أخرى للحياة لم يدركها بعد..، أو أن هناك كنزاً تخفيه تلك الخريطة من الألوان التي تحاول بث روح التفاؤل لدى «المتشائمين» من السوريين، تشاؤماً يحول بدوره دون اكتشاف «لغز» التغيير الذي اكتشفه على ما يبدو فريق العمل «التطوعي» لهذه الحملة...!!

احتلت حملة «2015عيشها غير» منذ أسابيع وسائل الإعلام السورية الرسمية منها وشبه الرسمية، ومع تتالي أيام الشهر الأول من العام الجديد غزت تلك العبارة، وأغرقت بصرياً يوميات السوريين من خلال تعدد الوسائل والأدوات التي جندت تباعاً في خدمة القيمين عليها..!؟ بدءاً باللوائح الطرقية مروراً بمقاطع الفيديو المتلفزة والبرامج الإذاعية المرفقة وصفحتها الخاصة على «الفيسبوك»..!
«بتقدر تعيشها غير..»، و«هيك كنا وهيك لازم نضل».. وغيرها الكثير من العبارات والصور «المجردة» حد الإبهام، والعامة أيضاً حد الميوعة، افقدت الحملة  متعة «الفضول الإعلامي» التي تحاول عادةً المواد الإعلامية أن تتسوق عبره، ومع بدء انضمام المؤسسات والشركات بشقيها العام والخاص إلى الحملة بدأت تنجلي تباعاً محاولات «التغيير» المقصودة..
على طريقة ماري انطوانيت
يمكن أن يقال الكثير ليس فقط  في شكل الحملة بل في مضمونها، فانطلاقاً من ضرورة التغيير الملحة والتي ينشدها السواد الأعظم من السوريين القابعين ليس تحت خط الفقر وحسب، وإنما تجاوزوا بقدراتهم كل الخطوط اللازمة للبقاء على قيد الحياة .!، يأخذ شعار الحملة «عيشها غير» شكل «الإيعاز» أو «الأمر» بإحداث التغيير انطلاقاً من أنفسنا..! ويعيد بنا إلى الذاكرة حديث ماري انطوانيت عندما أخبروها أن الشعب الفرنسي  يموت من الجوع إبان الثورة الفرنسية: «فليأكلوا الكيك»..
 أوليس من الأجدر على القيمين على تلك الحملة أن يوجهوا إيعازهم إلى من هم «فوق»؟ أي إلى طبقة الأثرياء ويسائلوهم عن مصدر ثرواتهم، ويفضحوا مظاهر الترف الاستفزازي التي يمارسونها على حساب عشرات الآلاف الجياع في سورية؟! 
 أليس من الأفضل الإشارة بإصبع المسؤولية في التغيير بوجه الصامتين عن محاسبة طبقة الفاسدين في سورية وأثريائها القدامى والجدد..!؟ وأخيراً وليس آخراً أليس من المعيب التوجه لمن يحاولون كل يوم البقاء على قيد الحياة إعطاؤهم دروساً عن «التغيير» على طريقة انطوانيت وأمثالها..!؟
التمييع وضرورات التغيير
لا تكمن المشكلة في العبارة، ورغبة السوريين في التغيير، خاصة أن الواقع الذي يعيشونه كل يوم يؤكد رغبتهم المستمرة في الحياة، ولكن المشكلة التي تخلق التساؤلات عن مدى شرعية مثل هذه الحملة وأحقيتها هو طريقة تناولها لتلك الضرورة الملحة ألا وهي التغيير، فمقاطع الفيديو المرفقة تخاطب السوريين وتؤكد لهم أن روح التغيير يجب أن تبدأ من الذات، وبالتالي تحميل المسؤولية إلى الفرد وليس إلى النظام الاقتصادي الاجتماعي السائد.
يطرح «قالب التغيير الذي تريده الحملة» الكثير من التساؤلات عن مدى استقلاليتها، تساؤلات يزيد من شأنها تفاعل واندفاع المؤسسات بشقيها العام والخاص مع دعوات هذه الحملة، فإما أن يكون التنسيق عالي المستوى بين «المتطوعين» وبين الطاقم الحكومي وغير الحكومي، أو أن تكون رؤية التغيير للقيمين على هذه الحملة تتناسب مع من هم ضد أي تغيير حقيقي يريده السوريون وينشدونه، ولا يتناسب فرح الطاقم الإداري للحملة بكم الحسومات التي تبنتها وزارات النقل والتعليم العالي والتجارة الداخلية، مع حجم المأساة التي يعيشها السوريون، ولكنها تعبر بدرجة أعمق عن مدى تمثيل هذه المؤسسات للسوريين في ظل أزمة هتكت ومازالت تهتك أحلامهم في التغييرالحقيقي أو في البقاء كأدنى حد..

آخر تعديل على السبت, 24 كانون2/يناير 2015 19:33