«المدارس والتعليم في التاريخ القديم في بلاد الشّام والرّافدين»
توصل سكّان مدينة «أوروك» السّومرية، نحو /3200/ق. م، إلى صيغة مبسطة للتواصل بين النّاس، من خلال الكتابة التصويرية البدائية، والتي تطورت فيما بعد، إلى كتابة رمزية، ومن ثمّ مقطعية متطورة، قادرة وبشكل كبير على نقل ما يفكر به النّاس، إضافة إلى تسجيل أحداثهم وتدوين أساطيرهم ومعتقداتهم.
يقوم الباحث «نزار مصطفى كحلة» من خلال كتابه «المدارس والتعليم في التاريخ القديم في بلاد الشّام والرّافدين» ، الصادر عن وزارة الثقافة السورية -الهيئة العامة للكتاب- منشورات الطفل- دمشق2014م. بالتعريف على مُنجز حضاري أبدعه الإنسان، ألا وهو «الكتابة».
فقد رافق استخدام الكتابة، ظهور مدارس لتعليمها في بلاد الرّافدين نحو /3000/ ق. م، وهي المدارس الأولى في العالم، وكان هناك بيوت خاصة اسْتُخدِمَت للتعليم، إضافة إلى المعابد، والقصور الملكية. وتقوم على تدريس الكهنة الّذين سيشغلون الوظائف داخل المعبد أو في خدمة الدّولة، وقد قسمت فترة الدراسة التي قد تطول إلى سنوات عديدة، إلى مجموعة من المراحل، تبدأ بالمرحلة التمهيدية، حيث يتعلم التلميذ كيفية الإمساك بالقلم، ورسم العلامات المسمارية.. تليها المرحلة الابتدائية، وتبدأ من تعليم المقاطع وصولاً إلى أنماط التدوين المعقدة.. ثمّ مرحلة تصويت الكلمات، ويتعلم فيها الطالب تصويت الكلمات والتعود على لفظ الأحرف بالشكل الصحيح.. بعدها تأتي مرحلة التدوين، ويتعلم الطالب معنى الاسم ودلالته حيث تصبح الصورة رمزاً وتكف عن أن تكون صورة..
وكانت العملية التعليمية تبدأ وتنتهي بصلاة أو دعاء اللوح والقلم: «أيّها الرّقم كن شفيعاً لي، تكلم من أجلي أمام الإله نابو..» أو «أيها الإله نابو، بصرني بإدراك الأمور»..
وكانت المناهج المقررة في هذه المدارس تشمل تعلُّم الكتابة المسمارية واللهجتين السومرية والأكادية، ثم يأتي مراحل التعليم العالي وتشمل المعارف الرّياضية والموسيقا والفلك والطّب وشؤون القانون.. وقد وصلوا بتلك المعارف إلى الذّروة في عهد الدّولة البابلية الثّانية، فقد عُثر في «تل حرمل» على أقدم قضية هندسية جبرية تتضمن مبدأ تشابه المثلثات، كما وجدت رقُم أخرى في «تل الضّباعي»، تتحدث عن قضايا هندسية معقدة، وهناك أدلة تدل على أن نظرية «تالس اليوناني» هي بالأصل بابلية..
وقد اعتمدت الرّياضيات في بابل بعض المبادئ الرياضية، فأساس العدّ فيها هو الطريقة الستينية، والطريقة العشرية السومرية، ومبدأ المرتبة العددية، بالإضافة إلى إدراكهم أن الكسور لم تكن سوى نوع من الأعداد الصحيحة، وقد استطاعوا أن يستغنوا عن الكسور، ويكتبوها بهيئة أعداد هي أجزاء من الستين، كما عرف البابليون المتواليات الحسابية، واختزال الحدود المتماثلة، أمّا في مجال الفلك فقد قال الفلكي البابلي «سلوقس»: إن «الشّمس مركز الكون، كما عللّ المدّ بأسباب علمية، وأرجعها إلى أثر القمر»، كذلك استطاعوا أن يسجلوا الزُّهرة، وغروبها بالنسبة إلى الشّمس..
وفي مجال الطّب لعبت المدارس دوراً بارزاً في إعداد الأطباء وخاصة في مدينتي «أوروك وبارسيبا» ولم تغفل المدارس عن وضع المعاجم أيضاً، فقد تم في إيبلا اكتشاف معجم لغوي يعدّ من أقدم المعاجم القائمة بين لغتين على الإطلاق في سيرة المعرفة البشرية.
وقد حفظت الكتابة تلك المعارف وساهمت في تطويرها، وكانت المدارس قائمة على هيئة تدريسية غاية في الدقة والانضباط، فهناك مدير للمدرسة يدعى «أوميا» أي الخبير أو الأستاذ، والأخ الأكبر الذي يكتب الألواح، للتلاميذ كي ينسخوها، ويفحص ألواحهم، إضافة إلى مشرف على الرّسم، ومشرف على اللغة، والناظر الّذي يحافظ على النظام، وكان التلميذ يسمى ابن المدرسة.. يقع الكتاب في 108 صفحات.