الأزمة.. ومنعكس بافلوف
يستقبل السوريون صباحاتهم كل يوم، يهيئون فيها أنفسهم لمواجهة معارك المعيشة اليومية في صراعهم الفردي المباشر مع مجموعة الأزمات الصغيرة التي فرض عليهم مواجهتها منذ سنوات.
ثمة من يفرض عليهم حالة من الاستنزاف، يشعرون فيها أنهم يواجهون قوة غامضة لا تستنزف قواهم فحسب بل تحاول أن تصيب إرادتهم بالمقاومة والحياة بالشلل، فيدورون في دوامة عميقة تشمل كل تفاصيل حياتهم، حتى البسيطة منها (الركوب في وسائل النقل.. تأمين الخبز إلى الغاز والمازوت والكهرباء والمدارس وحتى تأمين الحد الأدنى من الطعام أو مواجهة البرد والجوع..)، فتصبح الحياة فن الممكن، ومحاولة للخروج من الطوق بشكل فردي عبرحلول فردية وجزئية ومؤقتة، لا تلبث، بسبب ذلك، أن تعود فيها المشاكل ذاتها مرة أخرى،بعد فترة قصيرة. ويصبح التفكير بحلول عامة وعميقة وشاملة حلماً مستحيلاً بعيد المنال، رغم وضوح حقيقة ويقين الناس أن حل أي مشكلة حياتية ومعيشية اليوم لم يعد ممكناً دون الحل الأكبر الشامل للأزمة ككل.
تكرس الأزمة في مفرداتها الملموسة والمباشرة حالة السلبية تجاه ما يحدث، خاصة السلبية الفردانية التي يراد منها تعزيز الوضع القائم والتأكيد عليه، من خلال خلق إنسان معزول وعاجز اجتماعياً، وفي محاولة لفرض الأمر الواقع حتى تصبح ردود أفعاله مجرد منعكسات شرطية تذكرنا بكلب بافلوف، يتلمس فيها حلول فردية لمشاكل الحياة اليومية وتفاصيلها الصغيرة التي يغوص ويتخبط فيها.
تتغذى السلبية على ذاتها مدمرة القدرة على الفعل الاجتماعي الذي يمكن أن يغير الظروف ويجري استغلالها ببراعة من قبل صناع الأزمة والمستفيدين منها، منطلقين من مصالحهم.
ربما لا يعرف هؤلاء مقولة ماركس العميقة المعنى «يتغير إدراك المرء بتغير وضعه الاجتماعي» والبعد الآخر العميق الذي يحكم العملية الاجتماعية، فقد يفعل الضغط المستمر فعله المباشر المؤقت في تكريس حالة من السلبية واللامبالاة تجاه الهموم العامة والتقوقع حول الهموم الخاصة والفردية، ولكن الضغط الشديد أيضاً يولد الانفجار في نهاية المطاف.