الخال عبد الرحمن الأبنودي: «وحتى لو ننسى ميعاده.. الفَجر فاكر.. مابينساش»
ياسمين عبد الله ياسمين عبد الله

الخال عبد الرحمن الأبنودي: «وحتى لو ننسى ميعاده.. الفَجر فاكر.. مابينساش»

 

رحل «الخال» كما لقبه المصريون، أشهر شعراء العامية في مصر عبد الرحمن الأبنودي(1938 –  2015)، ، تاركاً خلفه تراثاً مكتوباً ومُغنّى، عبّر من خلاله عن الوعي الجمعي للمصريين، والوجدان الشعبي، وكان صوتاً لضمير الناس المسحوقين والمهمشين، في سعيهم اليومي لإحداث تغيير في واقعهم الاجتماعي، وهاجسهم في صباح مشرق: «طلع مش بعيد الصباح، ومستنّي خلف الشجر».

ظهرت براعته في القدرة على  رفع الكلام العادي المحكي باللهجة المصرية إلى رتبة الشعر، 4والشعر العامي خصوصاً، باعتباره ناقداً للواقع المعاش من جهة، ومشاركاً في إعادة صياغة الوعي الاجتماعي من جهة أخرى، فتمكن من دخول قلوب الناس ومخاطبة وجدانهم وإيقاظ الوعي الشعبي، وتسجيله كسيرة أدبية شعبيّة، ألهبت كلماته مشاعر الناس، وترك بصمته الشعرية، معلناً خياره بالتعبير عن هموم مصر والمصريين، من حيث المضمون . وساهم في تطوير القصيدة العامية  من حيث الشكل والأسلوب وتشهد دواوينه «عماليات»، و«الأرض والعيال»، و«الزحمة»، و«الفصول»، و«صمت الجرس»، و«المشروع والممنوع»، وصولاً إلى «الموت على الإسفلت»، حتى ديوانه الأخير «الميدان» المكتوب بتقنية الرباعيات، على حرفيته وأسلوبه المتميز. وقد استطاع إعادة إنتاج السير والملاحم الشعبية المختزنة في ذاكرته، مدوّناً ملاحم أفراد عاديين. وكتب عن الأحداث الهامة التي عاصرها، عن الثورة والسدّ العالي، فلسطين والمقاومة، عن هموم الحياة اليومية للبسطاء، الذين يعانون الفقر والتهميش، وخاصة الفلاحين وأهل الصعيد. وكان له رؤيته التي ينادي بها قائلاً: «تعالوا شوفوا الدنيا من مكاني».

بوصلة لا تتغير 

لعبت بساطة الأبنودي دوراً بارزاً في التأصيل للأغنية الوطنية المصرية دون أن يغير لهجته الصعيدية، ولا بوصلته. كانت فلسطين والقضية الفلسطينية حاضرة، كتب عن«حبيبته فلسطين» الكثير، وكان يردد دائماً أن «فلسطين تعيش في ضمائرنا». كما رثى الشهيد ناجي العلي.

غنى شعره عمالقة الغناء منهم عبد الحليم حافظ، وردة الجزائرية، فايزة أحمد، شادية، نجاة الصغيرة، صباح، محمد منير، وآخرون.

وكان لأغنياته حضورها في وقت الأزمات. فقد رصد الأبنودي في شعره محطات فارقة في الوعي الجمعي المصري فقد اختار مثلاً، شخصية «حراجي القط» و«جواباته» إلى زوجته فاطمة عبد الغفار لتلخيص فكرة السد العالي، ويبرر الأبنودي اختياره هذا قائلاً: «حراجي نسبة إلى الأرض الحرجة، وقد كان عريضاً وضخم الجسم، وكان لعبه عنيفاً معنا، لكنه كان ساذجاً بشكل جميل».

أما في القصيدة، فيقول على لسان حراجي: 

«في الراديو يا فاطنة يقولوا / بنينا السد.. بنينا السد / لكن محدش قال /السد بناه مين/ بنوه كيف/ نايمين ولا قاعدين». ومن مؤلفاته الغنائية: 

(أحلف بسماها وبترابها، عدى النهار،  إبنك يقول لك يا بطل، أنا كل ما أقول التوبة، أحضان الحبايب،  تحت الشجر يا وهيبة، عدوية، وسع للنور، يمّا يا هوايا يمّا، ، عيون القلب، قصص الحب الجميلة، آه يا اسمراني اللون، قالي الوداع، ساعات ساعات،  قبل النهارده، شباكين على النيل عنيكي، جايي من بيروت، بهواكي يا مصر، شوكولاتة، كل الحاجات بتفكرني،  برة الشبابيك، الليلة دِيّا،  يا حمام، يا رمان) وغيرها...

 فن «الصحبة»

رحل في اليوم الذي رحل فيه صديقه، صلاح جاهين، وكأن مفارقة الأقدار شاءت ربطهما في النهاية كما في البداية ، فالمعروف أن جاهين كان له فضل كبير في تقديم الأبنودي للناس، وتعريفهم عليه، خلال عمله في مجلة «صباح الخير»، وكانت العلاقة بينهما قوية وبعد رحيل صديقه كتب  الأبنودي: 

«الاسم زي الجواهر في الظلام يلمع..

تسمع كلامُه ساعات تضحك ساعات تدمع

شاعر عظيم الهِبات.. معنى ومبنى يا خال

يشوف إذا عَتَّمِت واتشبَّرت الأحْوال

كإنه شاعر ربابة.. ساكن الموّال»!

وكان الأبنودي أيضاً سبباً في جمع أشعار جاهين في ديوان كامل، إذ ألح على صديقه لتنفيذ تلك الفكرة التي لم يتحمس لها جاهين، فتطوع الأبنودي لتنفيذها، وقد ذكر جاهين هذه الواقعة في أحد لقاءاته. وهو ما يشير إلى شخصية استثنائية،أجادت حرفة «الصحبة» كما وصفه صديقه الشاعر محمود درويش.  كما ربطته صداقة متينة بالشاعر أمل دنقل، ويحيى الطاهر عبد الله، القادمين من الصعيد في مطلع الستينيات، ثلاثة مواهب استثنائية، جمعها الإبداع، فاقتسموا فنونه بينهم، لكل واحد منهم منطقته الخاصة: لأمل شعر الفصحى، وليحيى القصة والرواية، وللأبنودي شعر العامية.

كان شفافاً من الداخل ومن الخارج كما وصفه المقربون منه. عاش في قلوب المصريين وعرفوا أغانيه وأشعاره وحفظوها، وكان هذا تكريماً شعبياً له، استحقه بجدارة.

كان الأبنودي من الذين يقرأون ويكتبون بنهم، ويعيشون الحياة بتفاصيلها، وعرف كيف يحفظ للشعر فنياته وتقنياته وآلياته الفنية، عشق الأرض والناس والحياة، واستطاع أن يربط بين المشاعر التي تجتاحه كشاعر، والتي تجتاح عموم الناس. 

حاز جائزة الدولة التقديرية عام 2001 وجائزة محمود درويش للإبداع العربي عام 2014.

صدر مؤخراً عن دار «المصري» للنشر والتوزيع، كتاب «الخال» للكاتب الصحفي محمد توفيق، يتناول فيه سيرة الشاعر الذاتية. يرصد الكتاب قصص الأبنودي الآسرة، وتجاربه المليئة بالمفارقات والمواقف.

في مقدمة كتابه، يقول المؤلف: «هذا هو الخال كما عرفته.. مزيج بين الصراحة الشديدة والغموض الجميل، بين الفن والفلسفة، بين غاية التعقيد وقمة البساطة، بين مكر الفلاح وشهامة الصعيدي، بين ثقافة المفكرين وطيبة البسطاء.. هو السهل الممتنع، الذي ظن البعض - وبعض الظن إثم - أن تقليده سهل وتكراره ممكن.

كما أعلنت فرقة التخت العربي إقامة حفل مساء السبت 25 نيسان على مسرح الجمهورية تحت عنوان «أحلف بسماها»، وفاء للخال الأبنودي، حيث ستقدم نخبة من أشعاره الغنائية الوطنية والعاطفية الشهيرة منها ابنك يقولك يا بطل، عدي النهار، التوبة، الهوا هوايا وعدوية...الخ.