11 أيلول.. آخر..
في الحادي عشر من أيلول، هدر الرعب في السماء، تساقطت الجثث محترقة على الأرض، وارتفع الدخان القاتم فوق الجدران المهدمة، لم يحتج الأمر أكثر من بضع دقائق حتى تفتح أبواب جهنم على الأرواح البريئة المحشورة في ذلك المكان، لقد كان الإعلان واضحاً للغاية، هي بداية عصر جديد من الرعب والترقب حفر جراحه في نفوس الجميع، حقيقة اتضحت معالمها فور أن انقشعت سحب الغبار وخرج من بقي حياً من تحت الركام، لن تعود الأمور إلى سابق عهدها بعد هذا التاريخ، إنه الحادي عشر من أيلول من العام ألف وتسعمائة وخمسة وسبعين.
لا لست مخطئاً، أنا لا أتحدث عن العام 2001، لا داعي أن أخبركم ما حدث بالضبط حينئذ، وما يحدث منذ ذلك الوقت، في أمريكا والعالم، سقطت الأبراج واندفعت الولايات المتحدة الأمريكية في حرب «استباقية» مسعورة بذريعة هذا الهجوم الإرهابي، كما أن الكثير ما زال يشكك بالرواية الحكومية الأمريكية ومعه الكثير من الأدلة التي تستحق أن يسمعها الجميع، أريد أن أحدثكم اليوم عن 11 أيلول آخر، عن ذكرى هذا اليوم الأسود في بلد لا تسمعون عنه كثيراً، عن يوم كانت فيه الولايات المتحدة الأمريكية الجلاد، وليس الضحية.
في التشيلي، يحمل ذلك اليوم ذكرى لا تمحى، بدأ الأمر قبل عدة أيام من ذلك التاريخ، بدأت قطع متعددة من القوات المسلحة التشيلية بالتعاون مع عملاء الاستخبارات الأمريكية بتنظيم انقلاب دموي أطاح بأول رئيس تشيلي منتخب ديمقراطياً، كان سلفادور الليندي أكثر من مجرد رئيس، لقد كان زعيماً وطنيا ملهماً ومؤسساً لإرث اشتراكي غني مميز، مما شكل تحدياً كبيراً لخطط الهيمنة الأمريكية على أمريكا اللاتينية، اتخذ القرار باستبدال الزعيم بديكتاتور اختارته وكالة الاستخبارات المركزية، كان «أوغستو بينوشيه» المرشح الأمثل، جمع حوله المتآمرين من قيادات الجيش وهم بتنفيذ المهمة الموكلة إليه بكل دقة، بدأ بإرسال تهديد مباشر للرئيس المنتخب قام بإيصاله عن طريق بعض الضباط، تمركز «الليندي» في القصر الجمهوري أو ما يعرف باسم «لا مونيدا»، لكن «بينوشيه» أنهى المهمة بسرعة، فأمر الطائرات الحربية بقصف القصر في صبيحة الحادي عشر من أيلول، تحول المكان إلى أنقاض مبعثرة وفي غضون ساعات ثبت «بينوشيه» أقدامه كرئيس جديد فوق بحيرة كبيرة من الدماء.
لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، كانت هذه بداية سنين سوداء طويلة، بدأت بحملات اعتقال جماعي ألقت بأكثر من أربعين ألف تشيلي في السجون، تمت ملاحقة الناشطين والمفكرين وإعدامهم في الزنزانات، لقد حول «بينوشيه» ملعب كرة القدم الوطني في العاصمة إلى سجن كبير، تشرد الآلاف وتحولت البلاد إلى معتقل جماعي، كُمّت فيه الأفواه، وعلت فيه أصوات التبجيل للزعيم الجديد، قوض الديكتاتور خلال سنين حكمه السبع عشرة أسس الاقتصاد الاشتراكي المتكامل الذي بدأ «سيلفادور الليندي» بتأسيسه وساهم في تكديس الثروات بيد حفنة قليلة من التجار والمتنفذين، لم تعان التشيلي مثل تلك الظروف المعيشية الصعبة حتى أيام الاحتلال، احتفل الأمريكيون بالنتائج الرائعة، نجحت خطة «هنري كيسنجر» لتخريب التشيلي من الداخل، لقد أطلق الرجل منذ سنين برنامجاً سرياً برعاية الرئيس الأمريكي «ريتشارد نيكسون» يستهدف الموارد الاقتصادية ويضع المزيد من القيود على الصناعة والتجارة الخارجية، إلى أن سدد الضربة القاضية في النهاية عن طريق هذا الانقلاب المباشر، كانت تصريحاته واضحة: «لا أدري لم يتوجب علينا الجلوس جانباً لنرى تحول بلد مجاور إلى بلد شيوعي بسبب ضعف بصيرة شعبه..»! كعادتها.. تهتم الإدارة الأمريكية بمصالح الجميع!
لم يبدأ التاريخ في العام 2001، هناك الكثير من الذكريات الدموية التي تلطخ صفحات التاريخ الأمريكي المعاصر، مؤامرات وانقلابات وخطط سرية زرعت الحقد وأورثت الضغينة بين الأجيال، من المحزن بحق رؤية القتلى والمشوهين يتحولون إلى وقود يلقى في آتون من الحروب المتلاحقة، لايهم إن كان أي منهم عراقياً ام تشيلياً أم أفغانياً أم يمنياً أم صومالياً، أو حتى أمريكياً يدفع من نافذة مكتبه وهو يتحاشى ألسنة اللهب التي التهمت مكتبه الصغير، تسعة وتسعون بالمائة عليهم أن يدفعوا الثمن، لكي تتربع القلة المميزة على عرش العالم، هذه حقيقة على الجميع تذكرها طوال أيام السنة، وليس فقط في الحادي عشر من أيلول!