غسان كنفاني... جذور العبقرية وتجلياتها الإبداعية
لماذا غسان كنفاني؟ هو السؤال الذي طرحه الدكتور محمد عبد القادر على نفسه عندما بدأ بكتابة السيرة الأدبية لكاتبٍ لم يلتق به يوماً في حياته، ولكنّه كان حاضراً في وجدانه وساهم في تشكيل ثقافته ووعيه، وكان من أولى اهتماماته في الكتابة، وبالتأكيد هو يتحدث هنا عن نموذجٍ استثنائي في الأدب الروائي الفلسطيني ممن كان له دوراً رائداً في المسيرة النضالية للشعب الفلسطيني وهو "المبدع العظيم، الراحل المقيم" غسان كنفاني كما يحلو للمؤلف تسميته من هنا خصّه بهذا العمل الأكاديمي المتفرد شكلأ ومضموناً وخطاباً.
يقول المؤلف في سؤال البداية: لماذا غسان كنفاني؟!!: "أعلم أن وصفي لغسان كنفاني بالعبقرية لا يكفي لأن يجعله عبقرياً، ولا يوجب على الآخرين التسليم بهذا الوصف، ومن هنا جاء هذا الكتاب ليوضّح مرتكزات هذا الوصف، ومستنداته، ودعائمه وأدلته ومبرراته. إذاً هو محاولة لقراءة عبقرية غسان كنفاني وكشف معالمها، وإضاءة أبعادها، استناداً إلى ما توافر من معلومات حول شخصية غسان وتطورها، ومنظومته القيمية والسلوكية، وإبداعاته المتعددة، وأدواره الريادية في حياة شعبه وفي إرساء أركان جوانب أساسية في الثقافة الوطنية والقومية والإنسانية التقدمية...".
انطلاقاً من هذ الفهم استخدم المؤلف في عمله هذا كل ما له صلة بموضوعه: "العبقرية وتجلياتها في حياة غسان وإبداعاته". وقد جاء الكتاب في بابين: الأول رمى إلى إضاءة الجانب الذاتي في شخصية غسان وقدراته الذهنية، وسماته الإنسانية وصورته في أذهان ممن عرفوه أو تأثروا به. أما الباب الثاني فقد اهتم بإضاءة العبقرية الكنفانية في تجلياتها الإبداعية المتنوعة والمتعددة.
قدم للكتاب الأديب الفلسطيني المعروف إبراهيم نصر الله بالقول: "لا يطمح هذا الكتاب لأن يكون القول الفصل في إبداعات غسان كنفاني ورؤاه، بقدر ما يطمح إلى فتح أبواب جديدة لتأمل الظاهرة الكنفانية التي مرت في حياتنا كشهاب وعاشت في قلوبنا كشمس.
يستند هذا الكتاب إلى أرضية من حبّ عميق، يعيد إلينا جوهر تلك العلاقة المفقودة بين النص الأدبي وناقده، ولعل هذا هو السبب الأساس في أن هذا الكتاب ذهب نحو أعماق جديدة في تأمل الإنجاز النوعي الكبير للكاتب الشهيد، الشهيد الكاتب؛ فأن تُحبَّ، فهذا يعني أن تنذر نفسك لعمل دؤوب لا ينتمي للفكرة البسيطة لكلمتَي: الجهد والعمل، بقدر ما ينتمي إلى المفهوم الأصفى لنبالة الرسالة؛ وفي هذه النقطة بالذات يلتقي إنجاز الدكتور محمد عبد القادر ويتّحد بما كتبه غسان، معايشاً له، ومتأملاً، ومحاوراً، وعاشقاً أيضاً. لم تكن الكتابة عن غسان كنفاني سهلة في أي يوم من الأيام، ولكن الأصعب هو أن يُطل الناقد على غسان من زاوية جديدة، مكتشفاً ومبرهناً ومحاوراً لإبداعات لها حضورها الاستثنائي في المسار الروحي للإنسان الفلسطيني والعربي وللإنسان في كل مكان وصلت إليه إبداعات كنفاني عبر ترجماتها إلى لغات العالم.
يحاور الدكتور عبد القادر روايات وقصص ومسرحيات ودراسات غسان كنفاني ورسائله ويومياته أيضاً، كما يحاور عدداً من أهم دارسي هذه الأعمال، ويقدم رؤاه الجديدة في أعمال اختلف فيها النقاد. ولذا، فإن هذا الكتاب يشكل ضرورة، ضرورة ثقافية معرفية، وضرورة جمالية لكتابة سلسة، عذبة، ستجعلنا نحب غسان أكثر، ونفهمه أكثر، ونفهم فلسطين التي عاشت فيه وكبرت به، كما عاش فيها وكبر بها..".