روبن وليامز.. الوجه الآخر للكوميديا
حينما شاع خبر انتحار الممثل الأمريكي «روبن وليامز»، علّقت إحدى المهتمات بفن السينما: »هل كان انتحار وليمز بمثابة إعلان خيبته بالقوى السياسية التي دافع عنها طوال حياته؟ هل كان بمثابة اعتذار؟!«.
لم يكن في قولها نوع من الاستشفاء بنهاية مأساوية لممثل اشتهر بأدواره الكوميدية. بل كلام يعكس تناقضات أحستها شرائح واسعة من الجماهير التي لم تقبل يوماً عبارة »الفن لأجل الفن«. ولم تستطع الفصل بين الاعتراف الموضوعي بموهبة روبنز وبين مواقفه الداعمة لإسرائيل والمروجة للأيديولوجيا الأمريكية، والتي تحولت إلى حاجز نفسي ووطني، حال دون الاستمتاع بفنه.
وبالرغم من أن روبن اشتهر بأدائه أدواراً كوميدية كما في فيلم «السيدة دوبتفاير» الذي يجسد فيه دور أب يتقمص دور مربية أطفال كي يمضي مع أطفاله المزيد من الوقت بعد طلاقه من زوجته. إلا أن الأهم بالنسبة لنا هنا -حين استرجاع بعض المحطات في مسيرته الفنية- التأكيد أن روبن نفسه لم يفصل بين فنه وآرائه السياسية، بل وظف موهبته كي يقدم رسائل سياسية مغلفة بالضحك والنكات.
إذ جسد مثلاً عام «1984» دور عازف «ساكسيفون» روسي ينطلق ضمن السيرك الذي يعمل معه في جولة إلى أمريكا. هناك يقرر الهرب والبقاء في أمريكا بوصفه مهاجراً. الفيلم مثال عن بروباغندا الحرب الباردة بأفقع صورها. حينما يتم تجسيد أمريكا باعتبارها بلد متنوع وملون وحر، مقابل الاتحاد السوفيتي البارد والمنغلق. في إحدى اللقطات يقف أعضاء السيرك في سوبر ماركت مذهولين أمام لفافات المناديل الورقية. ويقارنونها بذكريات الوقوف ساعات طويلة في الطابور للحصول على أبسط المنتجات في بلادهم.
وفي فيلم «صباح الخير فيتنام» يلعب روبن دور مقدم برامج إذاعي في إذاعة تابعة للقوات العسكرية الأمريكية، يحاول أن يرفع من عزيمة الجنود في فيتنام بأسلوب فكاهي خارج عن المألوف، يدمج الأخبار الجادة بموسيقا «الروك أند رول»، إلا أن محاولاته تقديم نمط إذاعي مختلف تقابل بالرفض من قبل بعض المسؤولين الأمريكين الذين يحاولون استبداله حينما يقرر كشف حقيقة ما يجري في الحرب بعيداً عن الرواية الرسمية. يجاهد المذيع لاستعادة وظيفته متسلحاً بشعبيته، في ترميز للديمقراطية الأمريكية، ودور الإعلام الأمريكي المستقل والحر.
كعادتها، لم تقف وسائل الإعلام العربية التي تتبع سياسة «القص واللصق» عن الإعلام الأمريكي، كثيراً عند هذه الأدوار ودلالاتها، واختارت استذكار أفلام أكثر خفة وإضحاكاً. تظهر روبن بوصفه ممثلاً مضحكاً وفقط.
وفيما يتعلق بالإعلام الغربي، كان انتحار روبن الفجائي فرصة لإظهار الجوانب الأهم في حياة الممثل الستيني، أو الجوانب التي ترى وسائل الإعلام بأنها الأكثر أهمية، في البداية شغل الجميع بحل أحجية: »كيف يمكن لممثل كوميدي شهير وغني أن يكون تعيساً «، ونشرت الصحف الكبرى مثل الإندبندنت والتايم مقالات مطولة حول مرض الاكتئاب وأسبابه وأعراضه، وبثت بعض القنوات مقاطع مصورة أثناء زيارة روبنز لبعض القواعد العسكرية الأمريكية في الكويت، باعتباره ممثلاً ملتزماً بقضايا بلاده. لكن المفارقة المثيرة للسخرية أن تباكي وسائل الإعلام على خبر انتحار روبن الذي وصفته بـ«الصادم» و«المروع» لم يمنعها من تسريب صور تدّعي بأنها تظهر جثة الممثل النجم متجاهلة احترام الخصوصية وقدسية الموت التي لطالما تغنت بها.
حبيب «إسرائيل» المدلل
وفيما يخص علاقة الحب التي جمعت روبنز بـ«إسرائيل»، والتي تكشفت بعض ملامحها بموته، تحدثت جريدة «هآرتس» عن «اليهودية المزعومة» لوليامز والتي اتضحت معالمها منذ عام 1978. بسبب (كل الأدوار اليهودية التي أداها، واليهود الذين عمل معهم والنكات اليهودية التي أطلقها). هذا نقل موقع (أخبار إسرائيل العاجلة) عن وليمز وصفه لنفسه بـ«اليهودي الفخري»، حينما جسد في أدواره شخصية عجوز يهودية تقليدية أو حاخام في نيويورك. ونشر الموقع صوراً حديثة لوليامز وهو يرتدي الكبة اليهودية. مذكراً جمهوره بأن الأخير كان من بين أهم المشاهير الداعمين للكيان الصهيوني، وأنه ظهر عام 2008 على شاشة ضخمة في ساحة «تايم سكوير» كي يحيي «دولة إسرائيل» في عيدها الـ 60.
يطلب الإعلام العالمي والعربي من المشاهد الفصل بين الفن والسياسة، بالرغم من أن روبن وليامز ذاته لم يقدم على فصل مماثل. ليجسد بفنه ارتباط هوليوود برأس المال اليهودي. قد تبدو محاولة الربط بين انتحاره ومواقفه السياسية التي تم الإشارة إليها في البداية »شطحة «على قدرٍ من المبالغة، أو رغبة دفينة بأن يقدم روبن اعتذاراً مبطناً عن مواقفه قبل أن يغادر هذا العالم. إلا أن المؤكد أن انتحار الممثل الستيني، الشهير والغني، وحيداً في منزله، بالرغم من تراجيديته يقدم مؤشراً على درجة الاغتراب والخوف والوحدة التي تعيشها النخب الأمريكية، حتى تلك التي بدت الأكثر سعادةً ومرحاً.