الإعلام... وأسئلة الأزمة؟

الإعلام... وأسئلة الأزمة؟

 ليس من الخطأ - بل من الضروري - فضح كمّ العيوب والأكاذيب التي تتخلل الخطاب الإعلامي الغربي الرسمي وغير الرسمي المدعي لحرية حقوق الإنسان والحيوان على السواء، وليس العيب في أن يسخر الإعلام السوري الرسمي من وصايا «الحرية» التي يحاول صندوق النقد بأوليائه الغربيين وأتباعه العرب إملاءها على السوريين، ولكن المفارقة تكمن في الأداء والأدوات ودرجة المصداقية التي يكتشفها المواطن السوري  عندما يعكس إعلامـ«نا» الرسمي على الأغلب وجهة نظر سورية واحدة،  بدلاً من أن يكون ساحةً وطنية ومنبراً يعلو به صوت المواطن وكرامته على حدٍ سواء..

منذ بدايات الأزمة السورية، وتحت وطأة الضغط الشعبي والسياسي، بدأ النظام السوري بالعديد من الخطوات الإصلاحية التدريجية، تجلت في البدايات بالاعتراف الخجول بكم الأخطاء السياسية والاقتصادية التي ساهمت، وعلى حد اعتراف بعض أقطاب النظام نفسه، في تسريع الاحتقان وتراكمه ثم انفجاره لاحقاً، تلتها محاولة إسعافية تجلت في تعديلات ليست كافية وإنما مطلوبة طالت بعض المواد الأساسية في الدستور السوري ومنها إلغاء قانون الطوارئ وتعديل المادة الثامنة من الدستور، ألحقت - تحت اعتبارات سياسية وحسابات واقعية - بانفتاح على قوى المعارضة وصل إلى حد مشاركة الأخيرة في الحكومة ومجلس الشعب. 

على أرض الواقع

بدا واقع الإصلاح وأسلوب التعامل معه من قبل بعض أطراف النظام الفاسدة واضحاً من خلال بعض المقولات الشهيرة التي ساهم في ترجمتها وتكريسها الخطاب الإعلامي الموجه كمقولة «طيب هي لغينا المادة الثامنة وقانون الطوارئ، أي شو بدكن أكتر من هيك..!!؟».
في هذه اللهجة بالذات، بدت عقلية التعامل مع الإصلاح تأخذ طابعاً سياسياً شكلياً دون أن تكون استراتيجية متكاملة مفادها التغيير انطلاقاً من  الضرورة السياسية، هذا في المقام الأول، أما الأهم فقد كان جعل تلك التغييرات وتصويرها كما لو أنها تصب في مصلحة تيار سياسي دون آخر. 
لاحقاً، تم حقن الإعلام بجمل ومقولات شعبوية لمحاولة إكسابها الطابع «العفوي» على شاكلة «طيب وهي صارت المعارضة بالحكومة، فرجونا شو بدكن تساووا...!؟»، في تلك المشاركة بالذات بدأ الإعلام السوري حملته «الاقتصادية المعيشية الشهيرة» والتي لم ولن يشهدها الإعلام الرسمي غالباً لسنين على الأقل..!، حيث بدأ كم التقارير الإخبارية الرسمية وغير الرسمية في ملاحقة هموم ارتفاع الأسعار وانخفاض المعاشات، وأزمة الوقود الخانقة، فجأة وعلى حين غرة تلاشى مصطلح الإرهاب أو على الأقل مدى مساهمة هذا الأخير كأحد أهم مسببات الأزمة الاقتصادية حينها.
وبالتوازي كذلك لم يعد يشكو مناهضو السياسات الغربية «المعتادين» في حينه من تأثير العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية المفروضة على سورية، وباتت الحكومة محصورة في شخصي وزيري المعارضة وكان التعاطي مع التشكيلة الحكومية آنذاك لا يخلو من التنجيم الإعلامي على الطريقة اللبنانية، ومن الضروري التنويه على أن استخدام مصطلح «الوزير الشيوعي» كان يصب في تلك الخانة حصراً.

مفارقات..!

هل يمكن لإعلاميي الإخبارية مثلاً أن يجولوا اليوم في الأزقة والشوارع السورية ليسألوا عن ردود الأفعال فيما يتعلق برفع سعر الخبز..!؟ هل تستطيع أن تعنون إحدى النشرات الإخبارية نشرتها بمقولة «الاعتداء الليبرالي على الخطوط الحمراء..!؟» هل سمع إعلاميو قناة «سما» أو «الدنيا» بصرخات الفقراء من جراء المضي قدماً في لبرلة الاقتصاد...!؟
الواضح اليوم أن ليس الاقتصاد هو الوحيد الذي يخضع للمفهوم الليبرالي الغربي، بل طال ذلك محاولة إقحام المفاهيم الليبرالية في الوعي الاجتماعي، أليس من المخيف أن يتبع إعلام «بلد الممانعة» وصفات صندوق النقد الاقتصادية،  أليس من المستغرب والمؤلم أن يتقاطع بعض الإعلام السوري وإلى حد كبير مع الاعلام الأمريكي حينما يحاول توظيف مصطلح الإرهاب في تقاريره الإخبارية وبرامجه السياسية دون تحليل جوهر الظاهرة وأسبابها..!؟ وأخيراً أليس من حق السوريين اختيار أسلوب الحرية الذي يرغبون به ويليق بهم بدلاً من أن يوضعوا تحت رحمة خيارين أولهما «الفاشية» وثانيهما «هي الحرية يلي – بدنا – ياها»..