بين ميسي ومارادونا...
«كم هو من عجيب أن كوكب الأرض لم يسقط من محوره عندما قفز أكثر من بليون شخص إلى الأعلى في الوقت نفسه، في تلك اللحظة التي احتفلنا فيها واصلت الأرض دون انقطاع رحلتها حول الشمس لأنها كانت قفزة للعدالة، الهدف الأول ضد الإنجليز أحرز بيد اللاعب، يد مارادونا «اليد الإلهية»، في تلك اللحظة عندما انتصرت بلد غارقة في ديون صندوق النقد الدولي على أحد حكام العالم (إنجلترا)...». من فيلم مارادونا للمخرج أمير كوستاريكا...
قد يكشف لنا هذا الاقتباس ربما ذاك البريق الذي تفتقده لعبة الشعوب أو «لعبة الفقراء» كما يحلو للبعض تسميتها، ذاك السر الذي أفقد ومازال يفقد تلك الكرة الصغيرة سحرها، سحر الانتصار كما يصوره المخرج أمير كوستاريكا في فيلمه الوثائقي «مارادونا» والذي يحاول فيه تصوير حياة الأسطورة الأرجنتينية دييجو مارادونا.
«الفوز بمعركة كرة القدم.. »
يبدأ الفيلم بحديث لمارادونا يصف فيه انتصار الأرجنتين على إنجلترا في نهائيات كأس العالم بالمكسيك: «عندما نتحدث عن المباراة ضد إنجلترا، كنا نمثل موتانا الذين قتلوا على يد بلادهم، إنها ليست مثل إنجلترا، «اضغط الزر واقتل الجميع”.. لذا وجب علينا الخروج إلى أرض الملعب ولعب كرة القدم، الكثير من الأشياء متوقفة على هزيمتنا لإنجلترا.. لقد كان الأمر مثل الحرب الفوز بمعركة كرة القدم».
تتفاوت وتختلف الشرائح المتابعة لكرة القدم، تتفاوت أعمارهم ودرجات اهتمامهم بهذه اللعبة ولكن من السهل أن تراهم يتحدثون عن أيامٍ خلت - أيام بيليه البرازيلي، مارادونا الأرجنتيني، بلاتيني الفرنسي، جوليت الهولندي وباجيو الإيطالي وغيرهم الكثير... - تراهم يجمعون على حديث الذكريات عن أولئك النجوم، فيتحسرون كما لو أنهم عجوز يقص ذكريات الشباب بحرقة شيبه، أو ثائر تكاد تنسيه هزيمة الحاضر، زماناً من الانتصارات كان قد صنعها هو ورفاقه...
قد تتعدد الأسباب التي قد تفقد هذه اللعبة سحرها أو بريقها الذي كان يملأ مدرجاتها وجماهيرها ومنخباتها، ولكن السبب الأهم الذي أفقدها هذا الرونق كغيرها، هو التسليع الذي لم يطل فقط حقوق البث التي باتت حديث اليوم وإنما تسليع أولئك النجوم أنفسهم، إلى حد قد يفقد فيه اللاعب نفسه شهوة الانتصار التي أحس فيها مارادونا أثناء انتصاره وصورها كوستاريكا بمنتج يعتبر هو الآخر إضافة فنية في عالم الأفلام الوثائقية التي تتناول السيرة الذاتية لأحد المشاهير ...
ربما هو هذا الفارق الذي بحث ومازال يبحث عنه آلاف وملايين عشاق منتخب التانغو مثلاً، الفارق الوحيد الذي قد يجعل من مارادونا ظاهرة بكل ما تحمل تلك الكلمة من معنى، بينما يبقي على «ليونيل ميسي» نجماً لا تنقصه الموهبة الرياضية أو قدرة الاحتراف الكروي بقدر ما تنقصه بعض المواهب «الإعلانية» التي لا تخشى شركة بيبسي من توظيفها – رغم نقصها- بغية جني المزيد من الأرباح.
اغتراب القمصان الوطنية
ليس الفارق في الأداء أو الموهبة إذاً ما يفصل بين النجمين الأرجنتينيين، وإنما الفارق الوحيد والأهم في أن الحفيد «ميسي» لم يفهم رغبة جده «دييجو» حينما قرر البقاء في «نادي الحي» الذي ترعرع فيه، نادي «بوكا جونيور» رافضاً بذلك خيار الانضمام إلى نادي «ريفر بلايت» الذي عرض على الأخير ما عرضه من أموال لم يكن ليحصل عليها مارادونا في نادي بوكا جونيور.(حتماً لم تشهد أحلام ميسي الغارقة اليوم في أروقة النادي الكاتالوني مثل تلك المفاضلة التي قام بها دييجو مارادونا)...
ليس ميسي الوحيد، وإنما هو النموذج الذي يختصر اغتراب أولئك النجوم عن قمصان منتخباتهم الوطنية، ميسي الأرجنتيني «لاعب نادي برشلونة الإسباني»، وكريستيانو البرتغالي «لاعب ريال مدريد الإسباني»، ونيلمار البرازيلي «لاعب برشلونة»، وابراهيموفيتش السويدي «لاعب باريس سان جرمان الفرنسي» و...و.. وغيرهم، ممن يفتقدون كما جماهيرهم طعم الانتصار الحقيقي، فالانتصار قد يكون زائفاً وإن كان رياضياً، ربما يصح تسميته الانتصار المستنسخ على حد تعبير أحد أفلام الإنيميشن الذي بثته وكالة nike الرياضية وهي تصف حالة الاستنساخ والتقزيم التي يتعرض لها لاعبو اليوم على الرغم من محاولة هذه الوكالة توظيف تلك الفكرة ذاتها خدمةً لمنتجاتها الرياضية (لا بد أن وكالة nike تناست بأن أسلوبها الدعائي والتسويقي الجميل هو من أكبر المساهمين في عمليات الاستنساخ بحق هذه الرياضة وغيرها ..!!).
استنساخ كروي..
هذا هو الفارق الذي قد يجعل من ميسي وغيره مجرد استنساخ كروي عن مارادونا وأنداده في تلك المرحلة، هذا الفارق الذي قد لا يجعلنا نذوق طعم الهدف أو اهتزاز الشباك الذي كان يحس به عشاق الكرة في التاريخ القريب، هذا الفارق الذي يحمل أبناء «بوينس آيريس» ليتوعدوا بالانتقام والعقاب عبر وسائل التواصل الاجتماعي بحق «ليونيل ميسي» في حال لم يكن أداء هذا الأخير وهو يرتدي القميص المخطط بالأزرق والأبيض كما أداؤه في النادي الإسباني برشلونة، هو ذا الفارق يتضح عندما يتحدث مارادونا مبتسماً - في فيلمه المذكور- عن نشوته حينما رفض إحدى الجوائز الأمريكية ليمس بذلك نبض الملايين من أبناء أمريكا الجنوبية عاشقي الكرة والحرية على حد سواء..