كرة القدم رهينة التجارة والاقتصاد والتشفير
بسام جميدة بسام جميدة

كرة القدم رهينة التجارة والاقتصاد والتشفير

 لم تكن كرة القدم سوى رفيقة فقراء المعمورة، ومن أحيائها المغمورة كان يخرج دهاة اللعبة ونجومها، ولولاهم لما كان لها كل هذا الزخم الإعلامي والشعبي، ولما أصبحت مالئة الدنيا وشاغلة الناس، ولولاهم أيضاً لما شاهدت أغنياء الكرة الأرضية يهرولون وراءها، سعياً للربح وفي النهاية، تم حرمانهم من محبوبتهم، ولم يعد بمقدورهم مشاهدة الاستحقاقات العالمية على التلفاز بيسر وسهولة، بل البحث عن أي وسيلة لكسر مسألة التشفير التلفزيوني، فيما يواصل نجوم اللعبة كسر الأرقام القياسية في زيادة مداخيلهم المالية وكذلك عتاولة اللعبة ممن يديرونها عبر مكاتبهم الفخمة في سويسرا.

 وصار لزاما على المواطن إما دفع قيمة المشاهدة بشراء جهاز وكرت تشفير بمبلغ يصل إلى 400 دولار أو التوجه لأقرب مقهى ودفع ثمن المشاهدة وتحمل ضوضاء الجالسين ودخان اراكيلهم وسيجاراتهم . ما هي القصة..؟ بدأت معاناة الناس مع التشفير في مونديال 2002 بعدما احتكرته وقتها شبكة ART ثم باعت حقوق بث بطولة 2010 لقنوات الجزيرة الرياضية والتي ما لبثت أن سارت على الدرب نفسه في تلك البطولة وحتى البطولة الحالية في البرازيل 2014. المشاهد العربي لم يشعر بهذه المشكلة وقتها لأن اتحاد الإذاعات والتليفزيونات العربية كان متعاقداً مع الفيفا على حقوق بث البطولة لمدة 20 عاماً بدءاً من بطولة 1978 وحتى بطولة 1998. بداية الفكرة لماذا فعل الفيفا وغير أفكاره وهو الذي يدعو لنشر اللعبة في كل أصقاع المعمورة وأصبح محتكرا لحقوق البث وصارت المشاهدة مأجورة ..دعونا نتابع: بداية البث التليفزيوني مع الفيفا في مونديال 1954 في سويسرا، حيث تم نقل مباريات المونديال إلى 7 دول هي إنجلترا وفرنسا وألمانيا الغربية وبلجيكا والدنمرك وهولندا وسويسرا، وبعد عامين وبالتحديد في عام 1960 عرف العالم مفهوم حقوق البث التليفزيوني، حيث دخلت مباراة ريال مدريد وانتراخت في نهائي دوري الأبطال الأوروبي التاريخ بمبلغ 8 آلاف جنيه إسترليني. وفي مونديال المكسيك تم البث لأول مرة عبر الأقمار الاصطناعية وعلى الهواء مباشرة. ثم بدأ الفيفا ببيع حق بث البطولة تليفزيونياً، ففي بطولة الأرجنتين 1978 كان السعر 34 مليون دولار لكل العالم، ثم في إسبانيا 1982 أصبح 40 مليون دولار، وفي المكسيك 1986 أصبح 50 مليون دولار، وفي إيطاليا 90 أصبح 75 مليون دولار، وفي أميركا 94 أصبح 87 مليون دولار، بعد ذلك في فرنسا 98 أصبح 107 مليون دولار لكل العالم، ثم في بداية عصر الاحتكار في بطولة 2002 وظهور شركة اشترت الحقوق لكل العالم، بدأ البيع للقنوات الرياضية المشفرة التي اشترته من الفيفا بمبلغ ضخم للغاية وقتها بلغ مليار دولار! وفي مونديال 2010 جنوب أفريقيا وصل المبلغ إلى ما يقارب ثلاثة مليارات دولار، بينما بلغ في البرازيل 2014 الحالي مبلغاً يقارب أربعة مليارات دولار. 

جماهيرية اللعبة

 وتأتي هذه الأرقام الفلكية لعائدات البث كنتيجة منطقية لتزايد الإقبال على مشاهدة مباريات كأس العالم، حيث بلغ عدد من شاهدوا مونديال إيطاليا 1990 ما يقارب 26,7 مليار العدد الإجمالي، وشاهد مونديال فرنسا في عام 1998 حوالي 33,4 مليار بحسب عدد المباريات، وفي مونديال 2002 في كوريا الجنوبية واليابان كانت المرة الأولى في التاريخ التي تتابع فيها 213 دولة المباريات. من الذي اشترى..؟ تم بيع حقوق بث مباريات المونديال في البرازيل 2014 إلى عدة شركات حول العالم، ففي بريطانيا نجحت هيئة الـ BBC و ITV في الحصول على حقوق البث بالإضافة إلى TVE في إسبانيا و TFIفي فرنسا وZDF وARD في ألمانيا و SKYفي إيطاليا والهيئة النيجيريةBON في أفريقيا، وفي الشرق الأوسط نالت BeIN Sport حقوق احتكار بث مباريات البطولة. إنهم يدفعون الثمن كرة القدم منذ نشأتها كرياضة شعبية، كانت ضرورة، وكانت هدفاً استغلته القوى المهيمنة في بريطانيا، وكان عمادها الشباب، وخاصةً الطلاب بعد انتشار حوادث الشغب في بريطانيا ومنها ما طمح للعدالة كنادي الأرسنال، وكذلك العمال بعد الثورة الصناعية،وخاصة عمال السكك الحديدية الذين هم عماد فريق مانشستر يونايتد، وكذلك استغلتها غالبية الأنظمة الدكتاتورية في النهب،وكأداة لتنفيس احتقان الشباب وإغراقهم في صراعات ضيقة، وإبعادهم عن السياسة والمطالبة بحقوقهم .. وفي النهاية سيبقى الفقراء هم من يدفعون الثمن، وسيكون من واجب الدول التي ترعى مصالح شعوبها لأي سبب كان أن تؤمن لهم ابسط حقوق النقل ولو على القنوات الأرضية، على الأقل ليشعر المواطن بما يسليه وينسيه الكوارث التي تحيط به من كل حدب وصوب، وقد سارت بعض الدول فعلا بهذا الاتجاه، وحتى المونديال القادم 2018 ستكون هناك مفاجآت كثيرة، فيما يتابع السوريون حالياً مباريات المونديال على ما تيسر لهم من نقل على قناة المونديال الأرضية وبعض القنوات المفتوحة الأخرى في بعض الدول الأوروبية والأفريقية.