ماذا ستصبح عندما تكبر؟
«ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر»؟ سؤال كنا ننتظره بفارغ الصبر في طفولتنا، لنفاخر بأحلامنا التي لم نكن لنتخيّل أنها لن تتحقق يوماً، ولنستخدم ما اكتسبناه من حذاقة، فنذهل من يسمعنا.. كوننا أطفالاً ونمتلك عنصر المفاجأة في الفذلكة المبهرة خارج نطاق الحلم الكلاسيكي في الطب والهندسة والتعليم..
بين طيار وبحار وعالم وفلكي... كانت تجول طموحاتنا، يحركها دافع الرغبة للعمل لاحقاً في المجال الذي نهوى، بعيداً كل البعد عن أية عائدات مادية قد تنجم عنه، ربما لأننا كنا مأخوذين بالشعارات المدرسية التي تفرط بالترويج لقيمة العمل وأهميته لتطور الأمم والشعوب.. وما إلى ذلك من عبارات رنانة اكتشفنا لاحقاً أنها لا تعني لمن كتبها بشيء.. فصنعت فشل من آمن بها حقاً – أي نحن - ضمن معايير عصر الاستهلاك هذا، القائمة على مقولة دارجة بأن الإنسان يساوي ما لديه من ثروة، ربما زائد وناقص 2بالمئة، تعطى لشخصيته وشهادته وثقافته وأفكاره وقدراته وطموحاته وأخلاقه... وما إلى ذلك من مقومات باتت بالية في الحسابات الراهنة.
وشيئاً فشيئاً، راحت أحلامنا تخضع لقوانين الفيزياء والكيمياء من حيث التمدد والتقلص والتحول، تتأثر بمتغيرات الزمن والمناخ.. وكما كل المقهورين راحت تكبر خسائرنا وتصغر أحلامنا، وأصبح الغد والمستقبل بالنسبة لنا مساحة وهم وانتظار يائس.. تتردد على ألسنتنا (سوف أفعل)، (سأصبح)، (سأتعلم).. من دون أن ننتبه لمرور الوقت، لنجد أنفسنا فجأة وقد تجاوزنا محطة (سوف) لنصل إلى محطة (لو)، ليس بسبب إهمالنا أو تقاعسنا، ولكن لأننا جعلنا أحلامنا البريئة تسبق واقعنا بأشواط، لنصطدم بحقيقة قاسية بأننا أخطأنا الطريق..
وهكذا حسبنا أنه بات يلزمنا وقت مضاعف لتصحيح الطريق وتعديل الحلم مع المحافظة على أيديولوجيته، فأصبحنا في كل مرة بحاجة إلى خطا تصحيحية جديدة تعيدنا إلى الطريق الذي يسلكه المجتمع المغاير لدرب الشعارات الكبيرة التي كنا نعتمد عليها كنقاط علام توجه مسيرنا، مع محاولة الحفاظ على بعض منطلقاتنا في زخم التحول الكبير الذي وضعنا في معترك الحياة مجردين من أي هدف أو حلم أو حتى مبدأ، ليس لدينا سوى شهادة جامعية تزين الجدار، وكل ما نريده هو لقمة العيش، وأن نثبت للعالم أجمع بأننا لسنا فاشلين..
ولكن كما يقول المثل الشعبي: (حساب السرايا غير حساب القرايا).. وعبثاً حاولنا الخروج من جلودنا وذواتنا..
مهما تكن النتائج فقد كان لنا حلم.. كنا نعرف كيف؟ ولماذا نحلم؟.. كان هناك ما نؤمن به، ولكن إذا كنا - نحن الذين كنا نعرف ما نريد أن نصبح عليه - وصلنا إلى هذه الحالة من الضياع، فما هو مستقبل أطفال اليوم الذين ليس هم فقط، بل وذويهم أيضاً، يجدون أنفسهم ضائعين، عاجزين عن الإجابة على سؤال كان فيما مضى ساحة نستعرض فيها مهاراتنا الكلامية واللغوية.. ألا وهو ماذا ستصبح عندما تكبر؟