الإعلام العاري
يقول المذيع في محطة «شام أف إم» لأحد المتصلين مطمئناً إياه «إن الجيش في طريقه إليكم ليخلصكم من الكلاب»، والمعني هنا بعض المحتجين في إحدى المدن السورية. ثم يضيف، ربما لضرورات خفّة الدم الإذاعيّة، ربما لبصيرته النّافذة: «وستقول قناة الجزيرة: مقبرة جماعية للكلاب!!»..
لم تكن هذه الحادثة فريدةً من نوعها خلال الأحداث التي شهدتها سورية، فلدى كل واحد منا حصيلته الخاصّة من هذه التحف النفيسة التي التقطها خلال تجواله بين منابر الإعلام المحليّة.. حيث شاهدنا، والأمثلة كثيرة جداً، كيف تحول الإعلام السوري إلى صحافة صفراء متخصصة بـ«المحطات المغرضة»، دون أي التفاتة إلى الملفات السورية الحساسة التي باتت مفتوحة على الملأ، وتفويت فرصة مناقشتها بوصفها محصلة لكل التاريخ السياسيّ السوري المعاصر.
سوى ذلك راح هذا الإعلام يقسّم الشعب تقسيماً جائراً، وكان له بذلك قصب السبق في توجيه الضربة الأولى لوحدة السوريين، وكلنا يعرف كيف توالت الروايات التي راح بعضها يجبُّ بعضاً، وكأنّ الهمّ هو توليد رواية تصلح لمدّة من الزمن، دون إيلاء كثير من الأهمية لمدى إساءتها للشعب والتاريخ والوطن، إضافة إلى احتكار فكرة الوطنيّة، والتعامل معها بمنطق الوكالة الحصرية، ناهيك عن فتح ماراتون التخوين، والاستخفاف بوعي وعقول المشاهدين، وكأنّ الأمر يندرج ضمن حصّة التربية الوطنية في مرحلة التعليم الأساسي.
كنا طوال الوقت أمام سينما تفتقر لأدنى الضوابط، لأنّ مخرجها، كما يمكن تخيّله، شخص بلا أدنى موهبة وقد أوكلت إليه مهمة إخراج فيلم سيدخل في مسابقة الأوسكار!!
كل ما يمكن الذهاب إليه هو النتائج المدمرة التي وصلنا إليها، من تقسيم وتفتيت، ومن العمل على طمأنة لا تطمئن، ومن ادعاء الارتقاء إلى مستوى الحدث في حين يزاد تأزيم هذا الحدث..
باختصار.. هذا الإعلام المتربي في حضن الفساد أصبح مؤسسة حيوية مهمتها نقل عدواها إلى المجتمع..
ليس لنا أن نسأل كيف غطى إعلامنا الحدث، فهو عارٍ وبالكاد يغطي عوراته!!