ساعتان في مجدل شمس.. ساعتان في عين الشمس
مهند عمر مهند عمر

ساعتان في مجدل شمس.. ساعتان في عين الشمس

حقول ألغام... أسلاك شائكة... شريط حدودي... قنابل مسيلة للدموع... رصاص حي... تجاوزنا كل ذلك لنصل إلى قرية مجدل شمس السورية المحتلة، ثلاثة وستون عاماً مضت لم تكسر إرادة شعبنا الفلسطيني، الذي انطلق شبابه من مختلف مخيمات اللجوء في يوم الزحف نحو فلسطين، ليحيلوا بأيديهم وحجارتهم حلم العودة إلى واقع، ليؤكدوا لقادة الاحتلال الصهيوني أننا شعب يموت كباره ولكن صغاره لا ينسون وطنهم أبداً.

الخامس عشر من أيار... على طول ثلاثة وستين عاماً حمل معه هذا اليوم آلام اللجوء، حمل معه اصطكاك أسنان أطفال المخيم برداً وخوفاً وجوعاً، حمل معه آهات العجائز، وذكريات لا تنسى حفرها كل فلسطيني جيل اللجوء الأول في ذاكرة أبنائهم، وهؤلاء هم من حفروها في ذاكرتنا، عندما اجتزنا حقل الألغام قفزت في لحظة كل ذكريات جدي إلى مخيلتي، تلاشى الخوف من الرصاص الحي والقنابل المنهمرة علينا، صهرنا جميعاً في ذاك الوادي اللعين لنصبح على رأي رجل واحد: «هذا عدونا... وهذه فلسطين اقتربت... حي على الجهاد»، ومع إصرارنا المتزايد على الوصول إلى مجدل شمس لمسنا الخوف في عيون الصهاينة، شعرنا بضعف هذا الكيان الذي يقتات ويعيش على الرعب المتزايد في قلوب الزعامات والقيادات الفلسطينية والعربية، وتمسكهم بكراسيهم، وسعيهم لتأمين أفضل مستقبل لأولادهم وأقربائهم وأنسبائهم تحت مسمى الثورة، وعلى حساب أجيال قدمت دماءها في سبيل العودة إلى فلسطين.

بعد أن قدمنا أربعة شهداء وعشرات الجرحى، وصلنا قرية مجدل شمس المحتلة، نطارد فلول «أعتى» جيش في المنطقة بالحجارة وبأحلامنا وصدورنا العارية، وهي كل ما كنا نملكه إلى جانب العزم والإرادة اللذين تربى عليهما كل فلسطيني، قوات الاحتلال الصهيوني الأكثر تسليحاً وتدريباً، والتي أرهبت العرب سنين طويلة فرت أمام عشرات الفلسطينيين العزل... خرجت من مجدل شمس لتضرب طوقاً عسكرياً حولها، وليرفع اللاجئون العائدون علم فلسطين في ساحة مجدل شمس، ويهتفوا بصوت واحد مع أهالي المجدل: «الشعب يريد تحرير فلسطين... الشعب يريد تحرير الجولان»، أهالي القرية الذين اغرورقت مّقلهم بدموع الفرح، استقبلونا بالعناق والقبل... بالورود والرز، فتحوا بيوتهم وصدورهم لهؤلاء القادمين المحملين بقهر وعذابات ثلاثة وستين عاماً، عشرات اللاجئين الفلسطينيين حرروا مجدل شمس مدة ساعتين.

اعتصمنا هناك في ساحة مجدل شمس، ولم نخرج إلا بعد أن أعدنا جثمان الشهيد الذي سقط على ثرى الجولان المحتل، وجريحين كان من الممكن أن تأسرهم القوات الصهيونية، بعد ساعتين كاملتين خرجنا نحو الأراضي السورية وكان أهالي مجدل شمس البواسل قد التفوا حولنا جاعلين من أجسادهم دروعاً بشرية لحماية مائتي لاجئ فلسطيني حققوا حلماً... ظل سنينً طوالاً ضرباً من ضروب المستحيل، ودعنا أهلنا في مجدل شمس مؤكدين لهم أننا سنعود لزيارتهم قريباً، في ذكرى النكسة المشؤومة، في ذكرى احتلال الجولان السوري.