رحلة الـ «هوب هوب» في دهاليز الأزمة السورية
وصول متعهد حفلات فنية إلى الخشبة، عطّل بروفات الفرقة التي كانت تتدرّب على عرضها الأخير. كان مقدّراً لأعضاء الفرقة أن ينجزوا عرضاً مختلفاً عن جزيرة بدائية تعيش على تبادل منتجاتها من اللؤلؤ بصناديق من النبيذ الفاخر، إلى أن يكتشفها أحد النبلاء، فيسعى إلى الاستيلاء على كنوز الجزيرة بتوريد «البيبسي كولا» مقابل اللؤلؤ.
لكن موت الملك يعقّد الأمر. النص الذي اقتبسه جوان جان عن «الجزيرة القرمزية» للروسي ميخائيل بولغاكوف وإخراج عجاج سليم، خضع لتغييرات جوهرية كمحصلة لورشة كتابة على الخشبة، وضعت في اعتبارها ما يجري على خشبة الخريطة السورية من صراعات وحروب ومصالح متضاربة، فرضتها المحنة الراهنة. هكذا تجري وقائع العرض، وفقاً لمحطات الباص الشعبي «هوب هوب». عنوان اختارته الفرقة للعرض الذي تحتضنه خشبة «مسرح الحمراء» في دمشق، في إشارة إلى ضرورة الوقوف المتكرّر، وفحص مسار الرحلة الشاقة بين محطةٍ وأخرى.
سيحضر متعهد حفلات نجوى كرم وجورج وسوف وآخرون البروفة، ما يعتبره المخرج مفاجأة من العيار الثقيل لأعضاء فرقته. قرّر المتعهد أن يتبنى العرض لتقديمه للجاليات العربية في أميركا، ما يشحن الممثلين بطاقة إضافية، حتى أن بعضهم يقرر تعلّم الإنكليزية في خمسة أيام. هنا تبدأ تدخلات المتعهد في النص وتحريفه عن فكرته الأصلية، بما يتوافق مع المزاج الأميركي، من دون اعتراض المخرج. على العكس، هو يتواطأ معه، حين يواجه احتجاجات بعض الممثلين على مفردات نافرة لا تتواءم مع النص الأصلي، فيما تذهب احتجاجات المؤلف أدراج الرياح، فقد بدا أعزل، وهو يرى نصه يتبخّر فوق الخشبة، بعدما إطاحته الرقابة أولاً. كان لهذا العرض أن يكون حدثاً مسرحياً، لولا جرعة الكوميديا الزائدة كأن الانسياق وراء الضحك هو الهدف الأساسي من العرض، وإلغاء المسافة بين التهكم والسخرية والمرارة من جهة، والتهريج المجاني من جهةٍ ثانية. وإذا بالمحنة السورية تتحوّل ذريعة أولية، جرى نسيانها تماماً.
ما إن تنتهي البروفة الأولى وفقاً لشروط المتعهد في تمزيق النص الأول، وتحويله إلى ما يشبه الدبكة والعتابا في ملهى ليلي، حتى تأتيه مكالمة، تنسف العمارة الأولى تماماً، إذ جرى تغيير جوهري في مكان العرض، من أميركا إلى روسيا، فكان على الممثلين والمخرج التفكير في مزايا الفودكا، ونبذ «البيبسي كولا».
في السكة الموازية للحكاية الأصلية، سنلتفت إلى أسئلة جوهرية لكنها ظلت غائمة بسبب الانخراط في المبالغة على السكة الثانية. هذه الأسئلة تتعلّق بمحنة المسرح نفسه، وحيرته التاريخية، أقله محليّاً، بين فصحى عابسة تخاطب جمهوراً وهمياً، وعاميّة تسعى إلى لانخراط في اليومي النافل والمبذول. كأن أعضاء هذه الفرقة ضحية أزمة ثقافية، وتالياً، فإن ما يحدث لهم ولنا، هو حصيلة هذه الأزمة في أطيافها المتعددة، إذ بقي المسرح السوري طوال خمسة عقود، يراوح بين «مسرح التثاؤب» المغرق في فصحى الأعمال المترجمة، والمسرح التعبوي برموزه المسطّحة. «هوب هوب» يقف بين هذين النوعين، في صناعة الفرجة الغائبة، ولعله حقّق بعض شروطها، أقله عودة الزحام إلى «مسرح الحمراء» بعد غياب.
المصدر: الأخبار