عطر باتريك زوسكيند..
باتريك زوسكيند كاتب ألماني كبير لا يزال على قيد الحياة ويرفض الحوارات والتصريحات التلفزيونية، شأنه في ذلك شأن كل كبير، ليس يسعى لشيء عدا سعيه لربح الوقت كل الوقت لنفسه فقط، نيكوس كازنتازاكي أيضا استطاع بحب كبير أن يخلق شخصية ليست تتكرر، شخصية غطت على صاحبها، فالناس لا يذكرون نيكوس، ولكنهم يتذكرون جيداً زوربا اليوناني، وحتماً لن أكون بغير رؤية الجمع، وسأذكر في هذا المقام زوربا اليوناني وجان باسيت غرينويي..
وغرضي من هذا هو ربط المعنى الروائي بالصورة.. ومن ثم اكتشاف بعض المعاني التي يمكن للصورة أن تؤديها بنجاح يجعلنا نقدم صورة نهائية للبطل، وبالتالي يتوقف خيال الشخصية الروائية وتتكرس الصورة السينمائية نهائيا، لذا من الجيد قراءة النص الروائي قبل أن تشاهده سينمائيا، فهذا الأمر قد يساعدك على فهم حركات الصورة وليس متابعة الحبكة، ورواية العطر لزوسيكند تقدم لك كثيرا من الخبايا عن عالم غرينويي، ولكن في لحظة صدق، وأنا المدينة للكلمة بكل الحياة، تكتشف أن الصورة تفوقت عن الرواية لاسيما في مشهد الولادة، حيث تمكن توم تايكور بدقة متناهية من تشكيل مشهد الولادة وصراخ غرينويي، وهو وسط كل تلك القاذورات من مخلفات السمك، زوربا أو أنطوني كوين، حكاية أخرى بلذة الأبيض والأسود تدخلك كل الدهشة في مشهد موت العجوز، حيث يتدافع سكان القرية ويعلنون البكاء عليها وفي لحظة حياة يجردون البيت من كل محتوياته، فلا يبقى في البيت سوى الغطاء الذي يغطي جثتها، الممثل البريطاني بين وبشاو تمكن بشكل عجيب من تقمص شخصية غرينوي، وربما بعد سنوات وسنوات سوف نتذكر وجهه لا غير، تماما كما نربط وجه عبد الله غيث بوجه عم الرسول حمزة رضي الله عنه، لا غرابة أيضا أن زوربا في أذهاننا هو كوين لا غير، بينما هناك الكثير من حكايات نجيب مخفوظ على غرار الحرافيش التي مثلت أكثـر من مرة، ولا نزال عندما نقرؤها ننحت شكلاً جديدا لأبطالها في كل مرة، وهذا يعني ضعف الصورة والترجمة السينمائية، في النهاية لابد أن أعترف أن الصورة مخيفة جداً، الصورة التي تأكل من الكلمة مخيفة حقاً وكلنا نركب نزقها إن تسونامي وإن تغيرات مناخية، لكن تقول إيزابيل الليندي: «قد أخاف على الكلمة والكتاب ولكن الشيء الأكيد في هذا العالم أن البشر يحبون الحكايات، فهم بحاجة دائمة لمن يكتب الحكايات..».