خلف الكاميرا: مع مصممة الأزياء رجاء مخلوف
دَرَستُ الأدب الفرنسي، الذي أحببته، ولكني كنت محتارة، رغم محبتي للأدب واللغات، وكان بداخلي حب للملابس، وتضج بداخلي الأسئلة: كيف يلبس الناس عادة؟ وكيف يؤلفون أزياءهم ويختارون ألوانها؟؟ مما دفعني لدراسة التصميم في مدرسة «الايس موند» وهي مدرسة فرنسية للأزياء.
افتتحت في سورية، وكنت محظوظة بأساتذتي الفرنسيين، وبعملي لأول مرة في مسلسل «الثريا»، كمساعدة ومشرفة على الأزياء النسائية فقط، ثم شاركت بأعمال كثيرة منها «خان الحرير»، و«هوا بحري» و«عائد إلى حيفا» و«أبو زيد الهلالي» و«الزير سالم» و«الملك فاروق» و«أحلام كبيرة» و«الغفران» وغيرها.
• مصمم الأزياء بطل دائم على الشاشة، كيف تغني الأزياء الشخصية والدراما بشكل عام؟
الصورة الفنية متكاملة مؤلفة من أجزاء، والجزء الذي أعمل فيه هو كلٌ بالنسبة لي، مع أنه جزء من العمل فقط، أعطيه كل وقتي وجهدي، وأبحثُ كثيراً، وآخذ مفاتيح العمل من النص الذي يعطيني مواصفات الشخصية ومستواها الاقتصادي والثقافي والاجتماعي سواء كان العمل تاريخياً أو معاصراً أو اجتماعياً، فالنص يقدم مفاتيح اللباس المعبر عن الشخصية أو صورتها، بكافة مستوياتها السابقة، وطريقة تفكيرها السياسية، فكلٌ يلبس بطريقته، سواء كان بوهيمياً أو ثورياً أو عاملاً، ويؤكد الكثير من الممثلين أنهم يشعرون بالشخصية أكثر بعد ارتداء الزي وهناك ضرورة للحوار مع الممثل والمخرج، ويحدث أن الزي لا يعبر عن الشخصية، ويرجع ذلك لعدة أسباب منها أن النص لا يعطي المصمم مفاتيح مهمة، وأخرى تتعلق بالجهة المنتجة إذ لا يتيح الفرصة أن نقدم أفضل صورة للزي ومنها الوقت إذ يطلب تقديم أشياء كثيرة في فترة معينة، خاصة بالمسلسلات التاريخية، مرة اضطررت لعمل ألف زي في شهر واحد، نحن غالباً إسعافيون يتصلون قبل أسبوع من التصوير، وهناك صعوبات أثناء التصوير بملاحقة العمل.
• ما الفرق بين الأعمال التاريخية و المعاصرة في مجالكم؟؟
هناك عملية بحث طويلة في المراجع في الأعمال التاريخية، وخاصة أن تاريخنا العربي لا يحوي رسوماً أو توصيفاتٍ للأزياء، ممنوع الرسم أو تجسيد الأشياء والمنحوتات، يوجد في التراث وخاصة الشعر توصيف للملابس ومنه يطلب خلق مادة تشاهد وتقنع، ويتحكم فينا السوق وما يوفره من إمكانيات، فالكلمات التي نقرؤها في المراجع نحولها إلى شيء مرئي، وهو ما يضطرني في كثير من الأحيان لطلب كتب من الخارج، أما عن السوق فلا يوفر المعادل المناسب لما قرأناه، لأن الأقمشة المتوفرة تختلف عادة في النوعية والألوان عن تلك المذكورة في المراجع التاريخية، واضطر لمعالجة الأقمشة فاصبغها وأصنعها وأخيطها بنفسي أحياناً لأحصل على ما يتطلبه النص، وعندما يقتنع الناس بما أتخيله وأفعله تصل رسالتي.
هناك جانب فني وإبداعي، يجب أن يتكامل حتى تكون الصورة جميلة فنحن نقدم عملاً فنياً وليس وثائقياً، ولا يمكن تطبيق كل ما يطلب ، وكل زمن له نموذجه، الأعمال المعاصرة أسهل نسبياً، وهناك استسهال للباس حيث يرتدي كل ممثل كما يشاء ومع ذلك أعمل على المعاصر، وأحاول عمل وحدة لونية.
• ما الذي تعنيه الأزياء لك ؟؟
الممثل هو الروح ولكن الزي يعطيه روحاً ثانيةً، أقدم عملاً مشغولاً بحب وجمال، ويمثل الزي عمارة أحجاماً ألواناً أطوالاً، إنه بناء، وفيه هارموني و روح ويدخل فيه الهواء والضوء ويعكس الكثير.
• ما العلاقات والروابط التي تربط مكونات الصورة؟؟
من أهم الأشياء التي عملت عليها الدراما السورية، التكامل بين مكونات العمل، العلاقة بين الأزياء والديكور والإضاءة والمكياج.. إضافة للممثل الذي يحمل كل هذه الأشياء، فلابد من التعاون والنقاش بين العاملين في هذه المجالات، وعدم الاستهتار بالمتلقي، وينشأ نوع من الصداقة جراء العمل الجماعي مما يسهل عملنا وينجحه، وغالبا ما يجري تجريب للملابس أو الديكور والمكياج والإضاءة قبل التصوير، فاللون يتغير مع الضوء فإذا لم يتوافق، تتعارض النتائج مما يخفض من سوية العمل، في الزير سالم قام الدكتور أحمد معلا ببناء مدينة طين، وصبغت ألوان تشبه المنطقة بالرمان ولون التراب وألبسنا العمال لنرى تناسب الألوان مع بعضها، فعملنا حياة كاملة قائمة بذاتها.
• كيف تبدئين بخلق أو إبداع شخصية معينة ؟
أبدأ بالنص الذي هو الأساس، يحدث أن أبلغ عن عمل يخص فترة ما، فأبدأ البحث المرجعي، عادةً أجمع مراجع ومجلات قديمة، ولكن يبقى النص هو الأساس الذي أفرغ منه ما يتعلق بعملي وآخذ التفاصيل، وأبدأ السير خطوة خطوة باتجاه الزي المتكامل، وكثيراً ما تظل الصورة مشوشة بذهني حتى أصل للورشة دون أن أعرف ما أريد ويدلني القماش والسوق على مفاتيح ثم تتركب الصورة. مضطرة لتلبيس الكل، الممثلين والكومبارس ولا أفكر بشخصية واحدة بل بالجميع.
• ما الذي يمكن أن يقدمه الفنانون في الظروف الحالية ؟؟ وهم الذين يدخلون كل بيت ؟؟
دخلنا معمعة كبرى نحتاج الكثير للخروج، منها أداء كل شخص لواجبه بمزيد من الوعي والإحساس، وأتمنى أن يقوم كتّابنا بالكتابة بجرأة عن هذه المرحلة، وأن تنجز أعمالاً لها علاقة بما يجري حالياً دون أن نضطر إلى الذهاب إلى التاريخ، وكلٌ يظهر وجهة نظره ويكتب من زاويته، يجب أن نعبر عما بداخلنا حتى نستطيع الخروج من الحفرة التي نحن فيها إلى مكان آخر مضيء ولدينا أناس جيدون وموهوبون فعلاً على كافة الأصعدة، ولكن الكثير منهم لم يأخذ فرصته ليكتب ويمثل.. الاهتمام بالحدث السوري الآن أولوية، لأنه يتجاوز ذلك ليكون عربيا أو عالميا، والحياة ستفرز الصادق من المدعي، خاصة بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والانترنت، يوجد كتاب وشعراء مهمّون لم تكن لديهم فرصة لايصال صوتهم.