«غَيِّرلو النظام!»

«غَيِّرلو النظام!»

ترى عن أي نظامٍ كان «زياد الرحباني» يتحدث عندما قال : «شايفو عالنظام مش عم يمشي.. غَيِّرلو النظام!»  ربما نظام السير: على اعتبار أن الازدحام في شوارع لبنان ومشكلة حزام الأمان والسائقين المتهورين لطالما شغلت اللبنانيين.

وربما كان يتحدث عن النظام السياسي، أو  لعله قصد النظام بفمهومه المجرد الأعمق كالالتزام بالقانون والقواعد ... لم يشغل «زياد» باله كعادته بتحديد نوع «النظام» إلا أنه ربما كان يحاول إيصال فكرة بسيطة، ساخرة، مؤداها: إذا كان الناس لا يلتزمون بهذا القانون تحديداً ، فلنضع لهم إذاً نظاماً جديداً يحكمهم، يمكن لنا أن نستمر في وضع وتغيير نظام بعد آخر حتى «يمشي النظام» في نهاية المطاف .

تُرى ما كلمات الأغنية التي قد تكتب اليوم عن حالة غياب  أي مظهر يحكم حركة الناس وأفعالهم من الأساس، ابتداءً بأبسط القوانين كالمرور  أو الرقابة والتموين على أسعار السلع، وصولاً  لسننٍ تمنع قتل الناس أو اختطافهم أو هدم بيوتهم ؟ كما لو أن المشرعين توقفوا عن سن القوانين ومتابعتها، والناس بدورهم توقفوا عن الالتزام بها!

إذ ما لجأ أحدهم إلى مخفر شرطة اليوم للتبليغ عن بيت مسروق أو هوية ضائعة أو حتى ابن مفقود، يتضاحك  رجال المخفر فيما بينهم من هذا «المجنون» الذي مازال يأمل بتلقي مساعدة ممن كانوا يوماً في «خدمة الشعب»، وقد يعلنون له صراحةً أنهم لا يتجرؤون على الاقتراب من العنوان الذي ذكره، طالبين منه أن يتركهم في حال سبيلهم، وأن يذهب بنفسه لاستعادة حقه، والاقتصاص من الفاعلين..

في بلاد غاب فيها الكثير من ملامح «الدولة» لا حاجة لإقلاق راحة المواطنين بإشارات المرور  أو مطالبتهم الالتزام بحدود السرعة.. تلك قوانين البلدان زمن السلم .. لا حاجة للوقوف عند تفاصيل تافهة  كمعاقبة موظف مرتش، أو منع الغش في الامتحانات.

تناقضٌ عجيب تعيشه البلاد اليوم بين حالة اللاقانون بالمطلق وبين السماح لـ«قضاة اللجان الشعبية» في أن يسنوا ما شاؤوا من القوانين والقواعد التي تصبح نافذة بمجرد أن ينطقوا بها.. فهم باسم القانون يغيرون على مبنى في منتصف الليل، يقتحمون جميع الشقق بحثاً عن ذلك «الغريب» الذي عبر باب الحارة، وُشوهد يدخل إلى المبنى  «متنكراً» بزي مواطن فكرّ أن يقضي الليلة بمنزل أخته.

باسم القانون أيضاً ينال عدد من الشبان نصيبهم من الضرب المبرّح لأنهم تجرؤوا أن يوصلوا إحدى صديقاتهم مساءً إلى منزلها وهم من طائفة دينية أخرى، متجاهلين بذلك القانون الواضح الذي يمنع اختلاط الشباب من أديانٍ مختلفة، ويطالب كلاً منهم الالتزام بحدود طائفته !

 إذا كان خرق القانون بصورة متكررة يدفعنا للتفكير بأنه ربما يكون هناك خطبٌ ما في القانون ما يوجب تغيره وإحلال آخر جديد مكانه.. فما الإجراءات التي يجب اتخاذها إذا ما كان القانون غائباً في المقام الأول !! ألا تكفي حالة اللانظام وحدها للمطالبة بنظامٍ جديد ؟؟   .