حقيقة النفس البشرية داخل «ثلاثية المسرح»
فجأة نجد أنفسنا داخل هذه الحياة..لا نعي شيئاً مع الوقت ننضج أكثر.. ونظل نبحث عن الحقيقة عن ذواتنا.. من نحن؟ هل نحن موجودون حقا أم مجرد شخصيات في حلم شخص نائم سنتلاشى بمجرد أن يستيقظ، أم شخصيات في خيال مؤلف ما لم يسعفه الوحي ليكمل قصته فتركنا طلقاء دون أن يكمل باقي السيناريو لكي نسير عليه؟!!! ودون أن يحدد لنا لماذا نحن هنا؟!! وماذا نفعل؟!! وأين نذهب؟!! ولا حتى دون أن يكمل رسم الخطوط الأساسية لشخوصنا.. نظل نبحث ونبحث لنعتقد في لحظة أننا وصلنا، ووقفنا على سر هذه الحياة، وفي لحظة وصولنا هذه الحياة، وفي وصولنا هذه نجد السراب!!! تجتاح النفس البشرية العديد من التعقيدات والصراعات والتساؤلات تناولها العديد من الفلاسفة ووضعوا نظريات مختلفة حولها، لكن نزل بالفلسفة من عليائها، وتناولها على خشبة المسرح، وقدمها للجمهور العادي، الكاتب الإيطالي الكبير لوجي بيرندلو الذي يعد من أئمة المسرح في العالم.
إشكالية «الحقيقة»
تعد إشكالية «الحقيقة» المحور الأساسي في مسرحياته..في ثلاثيته المسرح داخل المسرح وهي «ست شخصيات تبحث عن مؤلف» و«كل شيخ له طريقة» و «الليلة نرتجل»..ثلاث مسرحيات رائعة، تناول فيها مسألة أي العالمين أشد حقيقة: عالم الواقع أم عالم الخيال، العالم المادي الزائل أم الإبداع الفني الباقي، الحيثية الاجتماعية الفانية أم الشخصية المسرحية الخالدة؟!! وكل هذا بشكل جديد مختلف لم يتم تناوله من قبل وأفكار صادمة للجمهور.
تدور المسرحية الأولى عن ست شخصيات خرجوا أحياء من خيال المؤلف بعد أن فشل في صياغة قصتهم في قالب فني، فانطلقوا إلى حال سبيلهم للبحث عن مؤلف آخر يمكنه أن يصور مأساتهم! وفي مسرحية «الليلة نرتجل» تمردت الشخصيات على خشبة المسرح على المخرج، ويدور الصراع بينهم حيث ترفض الشخصيات كل ما يلجأ إليه المخرج من تجهيزات مسرحية يستجدي بها التأثير، بل تذهب إلى حد رفض المخرج نفسه، كي تقوم بأداء أدوارها في صدق، وكي ترتجل الأدوار دون تصنع.
وفي مسرحية «كل شيخ وله طريقة» تتناول قصة حصلت في الواقع وأبطالها الحقيقيون يشاهدون العرض ويتخطى أبطال المأساة الحقيقيون مجالهم عندما يهاجمون الشخصيات الوهمية التي تقوم بالتمثيل على خشبة المسرح ويتدخل الجمهور بينهم ليدركوا أن المسرحية من نوع المسرحيات «ذات المفتاح» وحينئذ تختلط مجالات الحقيقة بعضها ببعض ويصبح من المستحيل استمرار عرض المسرحية.
المعرفة مستحيلة
وخلص المؤلف من رحلة بحثه عن الحقيقة في عدد من مسرحياته إلى قوله بأن «المعرفة مستحيلة» وأنه إن أمكن معرفة أي شيء فمن الصعب إيصال هذه المعرفة للآخرين، ومن المستحيل أيضا أن تدون هذه المعرفة ولو برهات قصيرة جدا من الزمن، من دون أن ينالها الشك، ويجانبها اليقين، وخاصة في مسرحيته «كل شيخ له طريقة».
ويستمتع القارئ بتلك المسرحيات الرائعة في العدد المزدوج لشهري حزيران وتموز من الإصدار الثاني لمجلة «من المسرح العالمي» التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وتتناول روائع المسرح العالمي.
وفي بداية العدد تشاهد مقدمة عن المؤلف لويجي بيرندلو بقلم المترجم محمد إسماعيل محمد ثم عرض لأسلوب وفكر لويجي من ثلاثية «المسرح داخل المسرح»، ثم تجد حواراً بين بيرندلو والنقاد لتفهم ماذا قيل عن مسرحياته وماذا كان رده، لتأتي من بعدها المسرحيات.