سيد درويش.. موسيقا عابرة للقرون
تستذكر مصر والأمة العربية «اليوم» ذكرى وفاة الفنان والموسيقي المبدع سيد درويش، بعد مرور 89 عاماً على رحيله، ويحق لعالمنا العربي أن يستذكر هذا «الاسكندراني»، بسبب ما قدمه من نقلة حقيقية للموسيقا العربية، ذلك أن سيد درويش صعد بالموسيقا العربية من الحضيض الذي كانت واقعة فيه تحت سطوة فكرة الطرب والسلطنة والطقاطيق الساذجة.
وقد استطاع سيد درويش بمهجة روحه الموسيقية أن يستمع للإيقاعات الروحية لبسطاء الناس، ولموسيقاهم العفوية التي كانوا يلهجون بها من خلال ضجة أصواتهم في الحواري والمقاهي، لهذا كان فقره وقلة حيلته الإبداعية قد جعلاه يعمل مردداً لألحان سلامة حجازي، والغناء في المقاهي، والغناء حين كان يعمل في ورش البناء، ولأن الفنان كالعطر الجميل لا يمكن التستر عليه، فقد غنى ذات مرّة في ورشة البناء، وقد تصادف مع ذلك وجود الأخوين أمين وسليم عطا الله، وهما من المشهورين باصطياد المواهب الفنية، حيث اتفقا معه على أن يرافقهما في رحلة فنية إلى الشام.
من هنا بدأت سرية العطاء الفني والموسيقي العظيم عند سيد درويش، حيث الروح المصرية المعبأة بطاقة الفلكلور الشعبي المصري، رآها بأم عينه وهي تمتزج بطاقة الفلكلور الشامي، حيث تختبئ تلك النغمة المكبوتة عند شعبين من أعرق شعوب المنطقة، وحيث الحكايا الأسطورية التي تحولت إلى أنغام دارجة على ألسنة الناس وحناجرهم.
ومن هنا يمكن القول إن هذا الامتزاج بين حضارة أوغاريت وحضارة الفراعنة وتفريخاتهما العربية اللاحقة موسيقياً، هو ما استقر في وجدان سيد درويش وجعله ينتج الأغنية المبنية لحنياً على الفكرة العميقة والبسيطة المُعبرة، هذه الفكرة التي استطاعت غنائياً أن تحافظ على تألقها وحضورها حتى أيامنا هذه، والتي تجعلك بعد ما يزيد على 89 عاماً تستمع لأغانيه باعتبارها أغاني طازجة تم تلحينها للتو!
فأن تستمع لأغنية «زوروني كل سنة مرّة» أو نشيد «قوم يا مصري» أو«طلعت يا محلى نورها شمس الشموسة»، فلابد أن تقوى على حذف الفارق الزمني بين ميلاد هذا اللحن وتجعله يقيم معك دائماً في المضارع المستمر!
ويمكن الجزم والمجازفة بالقول إن المدرسة الرحبانية هي وحدها عربياً التي استطاعت بحق أن تستفيد من تجربة سيد درويش، وتقوم بتعميقها والتأكيد على استمرارها مع تألق صوت فيروز والإدمان الصباحي على الاستماع لها عربياً.
سيد درويش عليك الرحمة، لأنك تحولت إلى علامة فارقة ومميزة في الفن العربي عموماً.