إصدارات: جوزيف كونراد...سيرة موجزة
صدر عن «الهيئة العامة السورية للكتاب» كتاب «جوزيف كونراد- سيرة موجزة»، من تأليف غافين غريفيث، وترجمة توفيق الأسدي.
تكمن قوة كونراد كروائي في أنه لا يمكن وصفه ضمن التراث الروائي الأنغلو- أميركي- رغم جهود (ليفيز) في الأربعينيات من القرن العشرين، إن تشككه وسخريته القادحة وتصميمه على كشف عيوب الناس فريدة من نوعها.
كتب يقول عن نفسه: «لقد دعيت بالكاتب البحري وبكاتب المناطق الاستوائية وبالكاتب الوصفي وبالكاتب الرومانسي وأيضاً بالكاتب الواقعي ولكن الحقيقة هي أن كل اهتمامي كان منصباً على القيمة المثالية للأمور والأحداث والناس ولا أي شيء آخر».
كان الدفاع عن كونراد هو التاريخ اللاحق للقرن العشرين والسنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين لا تزال (قلب الظلام) تلقي الضوء على بربرية القرن العشرين.
إن حقائق حياة كونراد استثنائية بما فيها الكفاية: شخص بولندي منفي برغبة منه أصبح قبطاناً بحرياً تجارياً بريطانياً.
ثم ها هو يحول نفسه إلى واحد من أعظم الروائيين (الإنكليز) في القرن العشرين، ولكن كونراد لم يكن ليحجم عن إضفاء الروعة على الوقائع في محاولاته للوصول إلى الحقيقة الشعرية ليس من السهل فك لغات خيط الغزل، إن حياة كونراد محيرة بقدر ما هو فنه.
ولد جوزيف كونراد باسم (يوزن تيودور كونراد كوجينيوفسكي) في الثالث من كانون الأول1857 في بردتيشوف في أواكرانيا البولندية منذ عام 1795 لم تعد بولندا دولة مستقلة بعد أن تقاسمتها النمسا وبروسيا وروسيا.
لدى مراجعة كونراد من الصعب فهم شخصيته المزاجية العصابية كما هي مع ألمعيته الجريئة ، لم يكن يرحم نفسه كما يعامل الآخرين بقسوة في رسائله يبدو كمزيج من الفنان المعذب والمشتكي الدائم ولكنه كان قادراً على حس النكتة النافذة.
تقريباً تحوي جميع رواياته لحظات من الهزل الضاري حيث ترمى الرؤية التهكمية بحدة شديدة على وضع معين فلا يستطيع القارئ سوى الضحك دون مرح.
لا شك أن كونراد كان حتى في شبابه أخرق وحاد المزاج ولخشيته من فوضاه الداخلية اختار حياة البحار لتغطية النظام الذي كان في حاجة إليه، وحين حل الملل اختار صرامة الفن الروائي فمارس بتفان أشبه بتفاني النساك إبداع فن روائي لم يسبق له مثيل في الأدب الأنغلو أميركي، إن إخلاصه في العمل يجعل حتى هنري دجميز يبدو كسولاً كما أن جديته قد تجعل دجميز جويس يبدو كشبح انتشل كونراد الرواية الإنكليزية من انشغالها البورجوازي بالحب والزواج والثروة وشأنه شأن كيبلنغ فقد ركز على علاقة الفرد بالعمل والواجب وعلى العكس من كيبلينغ. كان هو مفتوناً بالخيانة وخيانة الذات، ( في قلب الظلام ورواية نوسترومو) أوضح بجلاء كافٍ أن المثاليات والمعتقدات لا تستطيع إنقاذ الفرد ولا المجتمع، المشاعر التي تتحكم بالبشر هي الأنانية والهوس بالذات وفوقهما كره مرضي للحقيقة.