في ذكرى رحيله : عالم السومريات وقارئ الطين
الدكتور فوزي رشيد عانى من ألم الغربة وعذاباتها إلى أن أغمض عينيه فوق تراب بلاد الرافدين..
شكَّل رحيل عالم الآثار وأستاذ التاريخ القديم البروفيسور فوزي رشيد، أحد أهم العقول العربية العبقرية الجبارة منذ سنتين خسارة للأمة التي قدم لها تراثاً علمياً عظيماً فقد رحل بهدوء وتواضع بعد أن أغمض عينيه فوق تراب بلاد الرافدين التي عشقها وأحبها وكتب مؤلفاته القيمة ودراساته وأبحاثه العلمية النادرة عنها.
قارئ الطين أستاذ اللغات الرافدينية القديمة الذي تخرج من مدرسة العلامة القدير طه باقر، أحد أعلام علم الآثار العراقيين والعرب، استطاع العلامة الدكتور فوزي رشيد مع علماء قلة أن يفكوا رموز الكتابة المسمارية القديمة، ومعرفة أول طريقة للتدوين، ومعرفة أول شعب اخترع هذه الظاهرة الانسانية الفريدة، التي عدت من أهم مقومات الحضارة العراقية القديمة وقدمت للبشرية أعظم التجارب كأول نظام سياسي برلماني، وأول نظام تعليمي، كما قدمت دروسا من الإبداع اللامتناهي في كل مجالات الحياة العلمية والأدبية والفكرية، أَثْرَتْ مؤلفاته المكتبة التاريخية العربية منها «قواعد اللغة السومرية» وهو كتاب يبحث في اكتشاف الخط المسماري مادة للكتابة وشكله الخارجي واتجاهه، ويبحث في الشعب السومري ولغته ومراحلها وأنواع علاماتها وحروفها وتغييراتها الصوتية.
و كتاب «ظواهر حضارية وجمالية من التاريخ القديم» سجل فيه الإبداعات الحضارية الأولى للإنسان وتحليلها والبحث عن أسبابها ودلالاتها، ومعرفة بدايات المظاهر الحضارية للإنسان .. من نشأة التقاويم الى غيبيات السحر وممارساتها في العالم القديم، ومن ظواهر الاستسقاء الى القوى الخفية للإنسان، وكيفية فهمها والتعامل معها.
واختص كتاب «قواعد اللغة الأكدية» بتصريف الأسماء والأفعال وصيغها والضمائر الملحقة بها، وقراءة العديد من مواد شريعة حمورابي، وجزء من ملحمة كلكامش، وبيان معاني المفردات الأكدية المستخدمة.
بالإضافة إلى كتاب «سرجون الأكدي أول أمبراطور في العالم» من سلسلة الموسوعة الذهبية التي ضمت أيضاً: الملك حمورابي مجدد وحدة البلاد – آشور أفق السماء – الأمير كوديا – نرام سين ملك الجهات الأربع – آبي سين آخر ملوك سلالة أور الثالثة. وكتب تاريخية مهمة غيرها منها: (الشرائع العراقية القديمة - السياسة والدين في العراق القديم – علم المتاحف- الفكر عبر التاريخ).
ولد فوزي رشيد في بغداد عام 1936، وتخرج من جامعة بغداد - كلية الآداب – قسم التاريخ، وأرسل في بعثة لدراسة علم الآثار في المانيا الغربية، وأكمل الدكتوراه في الخط المسماري من جامعة هادلبرك في المانيا عام 1966، ثم عاد للعراق وعمل أستاذاً للتاريخ القديم في جامعة بغداد، وتولى أمانة المتحف الوطني العراقي فترة، عاد بعدها أستاذا في الجامعة، وبسبب التضييق عليه هاجر بحثاً عن ظروف حياة أفضل بسبب ظروف الحروب والأزمات الأقتصاديه في التسعينيات، حيث عمل أستاذاً في الجامعات اليمنية، والتونسية وسكن ليبيا في مدينة الزاوية مع عائلته.
عانى الدكتور فوزي رشيد من ألم الغربة وعذاباتها وجَذَبَه الحنين خاصة بعد أن أوهنت الشيخوخه جسده، وعاد الى بغداد التي عشقها ولم يمهله القدر طويلاً حيث وافته المنية في بغداد.
ترك رحيله ألماً وحزناً على فراق أحد النجوم المضيئة في سماء بلاد الرافدين، من أمثال العلامة طه باقر والعلامة حسين علي محفوظ والعلامة مصطفى الجواد والدكتور عبدالعزيز الدوري والدكتور داني جورج وغيرهم من كبار العلماء.