الرئيس الذي ضحّى بحياته دفاعاً عن الشيلي

الرئيس الذي ضحّى بحياته دفاعاً عن الشيلي

حكم سلفادور الليندي التشيلي خلال سنوات 1970-1973. وتشكل فترة حكمه موضوع كتاب الأستاذة الجامعية للتاريخ الدولي في مدرسة لندن للاقتصاد «تانيا هارمر». يحمل الكتاب عنوان «التشيلي في ظل سلفادور الليندي»، مع عنوان فرعي هو: «الحرب الباردة داخل أميركا».

تتركز تحليلات هذا الكتاب على موضوعين أساسيين الأول هو تاريخ الشيلي في ظل رئاسة سلفادور الليندي، ويخص الثاني علاقات الشيلي خلال تلك الفترة مع كل من كوبا والولايات المتحدة الأميركية. ذلك في إطار «الحرب الباردة» داخل القارة الأميركية والتي كان رهانها الأساسي هو مستقبل أميركا اللاتينية.

انتهت رئاسة سلفادور الليندي بانقلاب عسكري في 11 سبتمبر من عام 1973. وتبيّن تانيا هارمر في هذا الكتاب كيف أنه في الحالة الشيلية كما في الحالة الأميركية بعد 11 سبتمبر 2001. كان من الصعوبة بمكان الخروج من «مأساة وطنية»، وأن مثل هذا الخروج يتم بخطى بطيئة.

وبعد 40 سنة من مقتل سلفادور الليندي في الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال أوغستو بينوشه وأنهى فترة حكم تحالف يساري كي يقيم مكانها نظاما دكتاتوريا استمرّ لمدة 17 سنة. ما تؤكده مؤلفة هذا الكتاب هو أن سلفادور اللندي «لم يذهب صدفة» إلى القصر الرئاسي، المونيدا، في ذلك اليوم، 11 سبتمبر 1973، وإنه لم يدفع حياته في ذلك اليوم «نتيجة خطأ».

بل «أراد بكل وعي موته». ذلك على خلفية إدراكه لـ»القيمة الرمزية للموت»، وأن «يرى العالم كله ما جرى ويتذكره لفترة طويلة من الزمن». وتنقل عنه المؤلفة قوله: «بالتأكيد هذه هي الفرصة الأخيرة لي كي أتوجّه إليكم» كما جاء في رسالة صوتية عبر الإذاعة وجهها إلى مواطنيه كي «يودعهم» عندما كان محاصرا في القصر الرئاسي. وأضاف: «هذه الإذاعة سوف يتم كتم صوتها، ولن يستطيع صوتي الوصول إليكم. لكن لا أهمية لذلك. سوف تتابعون سماعه وسوف أكون دائما إلى جانبكم. وعلى الأقل سوف تكون ذاكرتي هي لرجل متمسك بكرامته وكان مخلصا دائما لبلاده».

وتشير المؤلفة أن قرار الليندي بالذهاب إلى قصر «مونيديا» الرئاسي والموت فيه إذا قام انقلاب عسكري لم يفاجئ أقرب مستشاريه وأصدقائه. فقبل عامين كان قد «وعد» الآلاف من الشيليين المؤيدين له كانوا قد اجتمعوا في «الملعب الوطني» لكرة القدم أنه «لن يغادر قصر مونيديا قبل نهاية فترته الرئاسية إلا وجسده مخترق بالرصاص».

لكن منذ انتصار الليندي الانتخابي ديمقراطيا قررت إدارة ريتشارد نيكسون، الرئيس الأميركي آنذاك، «تدمير» حكومة الليندي في الوقت الذي بدأت فيه معارضته الداخلية بتعبئة قواتها ضده. هكذا نشبت «معركة من أجل الشيلي» انتهت بانقلاب عسكري يميني أقام دكتاتورية استمرت حوالي عقدين من الزمن.

ولا شك أن مؤلفة هذا الكتاب، بالاعتماد على العديد من المقابلات والوثائق الأرشيفية التي سُمح مؤخرا بالاطلاع عليها في الولايات المتحدة وأوروبا وبلدان أميركا الجنوبية- بما في ذلك وثائق وزارة الخارجية الشيلية، تقدّم التوصيف، ربما الأكمل حتى الآن، لسياسات كوبا- كاسترو في أميركا اللاتينية خلال سنوات السبعينيات المنصرمة ولعلاقات الشيلي الخارجية في ظل اللندي ولدعم البرازيل للثورة المضادة في جنوب أميركا ولسياسات إدارة نيكسون في أميركا اللاتينية.

وعن اللحظات الأخيرة من حياة اللندي، وكيفية مقتله أو انتحاره، كما تقول بعض الروايات، تشير المؤلفة أن الأطباء الشرعيين الذين كشفوا على جثثه أكدوا أن هناك تساؤلات كثيرة حيال اللحظات الأخيرة من حياته وحول «الرصاصة» الأخيرة التي قتلته ومصدرها.

لكن بالمقابل يتم التأكيد أنه رفض نصائح الكوبيين له للانتقال إلى أطراف مدينة سانتياغو وقيادة المقاومة طويلا ضد الانقلابيين من هناك. لقد اختار الموت في القصر الرئاسي ويضرب بذلك مثال الرئيس الذي ضحّى بحياته دفاعاً عن الشيلي كما أرادها وبحيث يتذكر العالم ذلك.