ماركو بولو.. 17 سنة من الترحال
نسمع الكثير عن الرحالة الكبير ماركو بولو. لكن ما نعرفه عن سيرة حياته، ليس أكثر من أنه كان يعمل تاجراً بسيطاً في مدينة البندقية الإيطالية، قبل أن يتحوّل إلى مكتشف للعالم، وأحد أشهر الرحالة في التاريخ الإنساني كله.. وهكذا، كرّس الأستاذ الجامعي الفرنسي بيير راسين، كتابه الأخير، لسيرة حياته، بعنوان: «ماركو بولو وأسفاره». ويقصد بتلك الأسفار، فترة الـ17 سنة من الترحال في البلدان الآسيوية.
يشير بيير راسين، مؤلف الكتاب، إلى أن ذروة مغامرات ماركو بولو في بلاد الشرق الآسيوي، تمثلت في دخوله إلى قصر كوبيلاي العظيم في منغوليا. ولعبه دور سفير بين كوبيلاي وبابا الفاتيكان آنذاك: غريغوار العاشر.
ويبين المؤلف أن الرحلة الأولى لماركو بولو، كانت عند بلوغه الخامسة عشرة، كما يذكر. إذ رافق والده نيكولا وعمه ماتيو، في رحلتهما الثانية، بعد الأولى التي تعرّف فيها على السهوب المنغولية. وقد عاد ماركو بولو من رحلته تلك، بعد 25 سنة. وأصبحت كتاباته مصدر المعرفة الرئيسي لدى الغرب الأوروبي، عن الصين والهند، لفترة قرنين من الزمن تقريباً.
ويروي المؤلف كيف أن ذلك الإيطالي الذي تعود أصوله إلى البندقية، عمل لدى الإمبراطور المنغولي كوبيلاي، الذي فتح الصين واتخذ لنفسه لقباً يوحي بانتمائه إلى إحدى السلالات الصينية، وهو «يوان». وكان ماركو بولو قد قام بمهمات عديدة لمصلحة الإمبراطور في الصين أو في بلدان أخرى في المحيط الهندي.
وبعد عودة بولو إلى البندقية عام 1295، انخرط في حربها ضد جنوة، ووقع في الأسر، حيث تعرّف في السجن على روستيشيللو، الشاعر الذي تعود أصوله إلى مدينة بيزا الإيطالية، والذي صاغ ما رواه له ماركو بولو عن أسفاره ومغامراته في المناطق الواقعة بدائرة اهتمام الإمبراطور كوبيلاي، وحيث كان قد حمل العديد من الرسائل إلى الصين وروسيا وإيران وكوريا وسومطرة وكمبوديا وفيتنام، وغيرها. ولكن ليس من ذكر في كتاباته لجزيرة سيبانغو، أي اليابان.
وكان «كتاب العجائب» لماركو بولو، قد عرف نجاحاً كبيراً، حين كان أحد المخطوطات النادرة قبل طباعته في عام 1477. ويشير المؤلف إلى أنه كان مكتوباً باللغة الفرنسية التي أتقنها روستيشيللو جيداً. ويعيد المؤلف نجاحه إلى رسمه صورة الشرق الأقصى لدى مسيحيي أوروبا آنذاك. وهي صورة زاخرة بالأساطير، مثل القول إن يأجوج ومأجوج كانا منغوليين قساة القلوب. وأن منطقة القوقاز كانت بمثابة حدود خطيرة لمن يجتازها، حيث كانت تفصل بين الشرق والغرب.
ويحدد المؤلف القـــول إن الباحثيـــن الذيـــن عملوا على روايات ماركو بولو، اعتبروا أنها تتأرجح بين الحكاية والرؤيا الخارقة وكذا العرافة، حول خصائص الشعوب والوصف الجغرافي وأخبار مهمات مؤلفها التي نفذها بأوامر من الإمبراطور...».
ويعتمد بيير راسين في شرحه، على النص الأصلي، وعلى عدد من الترجمات والكتابات والتعليقات، ويجمع بين دهشة المسافر وواقع أكثر عادية. كما يحاول المؤلف وضع أسفار ماركو بولو في سياقها التاريخي، عبر التعرّض إلى عدد من الأحداث التي سبقت شروعه فيها، وربما كانت أحد دوافعه إلى القيام بذلك.
وهكذا يكرّس راسين عدداً من الصفحات لاستعراض تاريخ البندقية ونفوذها في حوض البحر الأبيض المتوسط وعلاقاتها المضطربة، مع القسنطينة. كما يشرح سياق تشكّل الإمبراطورية المغولية، وما أثارته مخاوف لدى الغرب المسيحي الذي كان يعيش حالة صراع مع المسلمين في مصر، وكيف أن بابا الفاتيكان تصوّر استراتيجية ترمي إلى حصارهم، عبر تعبئة المغول بواسطة التحالف معهم.
ويولي المؤلف أهميـــة خاصـــة لدراسة آثار ما رواه ماركو بولو عن أسفاره، على مكتشفين آخرين بعده، وفي مقدمتهم كريستوف كولومبوس، والذي وصل مع رجاله إلى القارة الأميركية: «العالم الجديد»، في عام 1492. ويشير المؤلف إلى انه، ورغم كون ماركو بولو، ليس الرحالة الأوروبي الأول الذي توجّه نحو القارة الآسيوية الشاسعة، فإنه كان أول من أنجز عملاً مكتوباً، ليصبح رائداً حقيقياً في ميدانه.