فنانو جدار الفصل العنصري دعوات واضحة لإحياء الكفاح المسلح
بعد انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثانية، والتي أدهشت العالم في هبتها الجماعية، جاء بناء جدار الفصل العنصري، الذي شكل الحدث الأهم وشغل العالم بأسره، كونه أشد حالات الفصل العنصري في التاريخ الإنساني
وعلى امتداد هذا الجدار العنصري الفاصل، من شمال الضفة الغربية وحتى جنوبها، شكلت اللوحات الفنية التي رسمت على الجدار، من الفنانين الفلسطينيين والمتضامنين الأجانب، ظاهرة تستحق الاهتمام من علماء البحث الاجتماعي والإعلامي والسياسي، وتعددت اهتمامات الباحثين الذين حللوا تلك اللوحات الجدارية، فمنهم من درس الظاهرة في بعدها القيمي الشعائري النفسي، أي ركز على الرمزية في الرسومات التي تظهر الشكل القبيح للاحتلال، وملامح الآمال والأحلام للشعب الفلسطيني، ومنهم من درسها على اعتبار أنها ظاهرة فنية فريدة، متجرداً من كل الهموم السياسية، التي لاحقت الرسام أثناء صب إبداعه على ذلك الجدار الإسمنتي. ولا يخفى على أحد البعد الأيديولوجي والمنظومات السياسية التي حكمت الرسام، وهو يسجل مواقفه على الجدار، والقدرة الهائلة لشبان الانتفاضة من طبع رسوماتهم بالطابع السوريالي البدائي، فكان لاستخدام رموز كقبضة النصر، وخارطة فلسطين، والبندقية، دلالات على أنها جزء من المقاومة الفنية والرديف للفعل الفلسطيني الثوري، وإن قيمتها على الصعيد الاجتماعي الثوري، تعني الاهتمام بالتعبئة النفسية، ودعم الصمود والتحدث للاحتلال من خلال الصورة. وتنوعت الرسائل السياسية المرسلة من خلال اللوحات، تلك الرسائل التي كانت تدل بشكل واضح على انتماء أصحابها السياسي، فتارة نرى صورة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، وبقربها صورة الثائر الأممي تشي جيفارا. وكان التركيز على رسم الشقوق و السلالم، له إشارة واضحة على رفض جدار الفصل العنصري، وحتمية سقوطه وانهياره، فأصبح فن الرسم على الجدار أحد حالات المعركة الثقافية مع الاحتلال، والتركيز الدائم والمستمر على الذات الفلسطينية، والتنظيم الشامل لها من خلال رسائل سياسية قُمعت طويلاً من الاحتلال الصهيوني، ولا يمكن فهمها بعيداً عن الكفاح المسلح الفلسطيني، والعمل السياسي الفلسطيني، الذي تفوق على الكثير من التجارب الإنسانية الثورية المماثلة، فشكل الجدار المراسل الإعلامي في غياب وسائل أخرى تعبر عن الرأي العام الفلسطيني في ظل الانتفاضة، بعد الممارسات الشديدة التي قامت بها سلطات الاحتلال، من اعتقال للفنانين وملاحقتهم وتشديد دائرة الرقابة عليهم، فكان الجدار المحل الوحيد لنقل الرؤية السياسية والإنسانية للواقع المعاش. ولا يخفى على أحد أن استخدام شعارات الانتفاضة، ضمن اللوحات الفنية على جدار الفصل العنصري، والتدليل على استمرارية الكفاح المسلح والمقاومة، و شعارات النصر والهزيمة للأعداء، من خلال بيان عدالة القضية الفلسطينية ومبررات الصراع، هي رسائل إعلامية يقف خلفها مرسل حاد الذهن، ومستقبل يتلقاها، والفنان المرسل يتقن توضيح الهدف، حين يضع في اعتباره ماهية الجهة التي ستستلم رسالته، لذلك تتأثر كل لوحة بطبيعة المرسل وغايته والهدف المتوخى منها، بالإضافة للمستقبل الذي سيفهم مضمونها، فالرسومات الفنية المتضمنة للشعارات المنتقاة بعناية، كذلك فإن تداخل اللون مع الصورة، أكسب الجدار مسحة جمالية وطابعاً تشكيلياً سريالياً، تجريدياً. إن اللوحات الفنية على جدار الفصل العنصري، تمثل تأريخاً لنضال الشعب الفلسطيني، وتوثيقاً بصرياً أميناً لتفاصيل المعاناة الفلسطينية، بكل ما تخللها من أحزان وأحلام وآمال، حيث قدم الفنانون للعالم أجمع ولائم بصرية سردية بعيدة عن الرسم التقليدي، وكسروا كل قواعد الرسم التي تتمثل بالمحاكاة التصورية، بعد أن انتصب هذا الجدار ليفصل بين الأرض والقلوب. ويتلاقى أولئك المبدعون، الذين تحدوا الاحتلال، وصور الواقع المؤلم على جدار الفصل العنصري، ورسائلهم الواضحة باستمرار الانتفاضة والكفاح المسلح، مع الكثير من فنانين العالم الثوريين، فهذان «ديجو وفريدوا» الزوجان المحبان المكسيكيان، ودورهما ومشاركتهما بالثورة المكسيكية وطرد الاحتلال من بلادهما، ودفاعهما عن الهنود الحمر السكان الأصليين في المكسيك قبل الغزو، رسم أيضا «إسماعيل شموط وتمام الأكحل» للمقاومة والحب والثورة والوطن، ولا ننسى «ناجي العلي» بأيقونة حنظلة، وتمرده على الواقع ورفضه الظلم والاحتلال، يذكرنا بلوحة بيكاسو الذي تمرد ورفض للظلم بلوحته «جرينيكا»، والتي صور فيها تدمير تلك القرية في منطقة الباسك على يد القوات الألمانية، ورفض حكم فرنكو. ليكون الفن شكلاً من أشكال الصمود والمقاومة، وأن الريشة مع رصاصة المقاوم، ترسم وحدها المشهد الفلسطيني.