زيّاد الرحباني بعيداً عن سياسة «النأي بالنفس»

زيّاد الرحباني بعيداً عن سياسة «النأي بالنفس»

كثّف زياد الرحباني إطلالاته الإعلامية في وسائل الإعلام المصرية ًخلال الأسابيع القليلة الماضية على هامش مشاركته في مهرجان الجاز الدولي الخامس في القاهرة، كان الظهور الأول ضمن برنامج (آخر كلام) مع الإعلامي (يسري فودة) في قناة (أون تي في)، تلاه بعد ذلك حوار صحفي مع جريدة (المصري اليوم)، ليحل أخيراً ضيفاً في برنامج (جملة مفيدة) مع منى الشذلي على قناة (أم بي سي مصر)

وحظيت تلك الإطلالات الثلاث باهتمام جماهيري وإعلامي واسع، في ظلّ المواقف الملتبسة والمتباينة التي تثيرها آراؤه السياسية عند الشرائح المختلفة من الجمهور وتحديداً تلك المتعلقة بالموقف من «الربيع العربي» وما يحدث في سورية، وبعد تردد إشاعات حول حملات ودعوات لمقاطعة حفلاته في القاهرة.

اختلفت مقاصد متابعة تلك اللقاءات: بين من مازالوا مهتمين بالاستماع إلى ما لديه كي يقوله، وآخرين  يتصيدون عباراته وكلماته إما كي يؤكدوا  «خيانته للشعوب ودفاعه عن الأنظمة الديكتاتورية» على حد قولهم، أو وقوفه في «وجه المؤامرة» بنسختها الرسمية الجامدة. كي تمتلئ مواقع التواصل الاجتماعي بأقوال واقتباسات تؤكد وتدعم وجهتي النظر. وتتحول إلى عناويين عريضة أو أخبار عاجلة على نحو: «زياد الرحباني يعلن دعمه للمخابرات السورية» أو  «زياد الرحباني يقول إن من حق النظام الدفاع عن وجوده «حتى يظن المرء أنهم يتحدثون عن مقابلات أخرى لم يقرأها  أو يرها أحدٌ غيرهم!  

يبدو أن كلام زياد الرحباني يقع دوماً  ضحية تجزئته وانتزاعه من سياقه، إذ لطالما شكّلت العبارات المأخوذة من برامجه الإذاعية أو المقتطعة من مسرحياته  محط كلامٍ وطريقةً في التعبير، عند شرائح واسعة من جمهور الشباب السوري، بحيث  يصعب أن تسأل أحداً عن حاله دون أن يجيبك: «كل ما تسألني كيفك بتذكر أني مش منيح»!

وبالرغم من أن حوارات الأعمال المسرحية بدت للكثيرين وحتى هذه اللحظة قابلة للاجتزاء والتفتيت بغرض المزاح، بحيث تردد عبارات (رشيد) من مسرحية (فيلم أمريكي طويل)  في كل مناسبة، منتزعة من السياق السياسي والاجتماعي العميق الذي تعكسه المسرحية ككل. يبقى إخراج  الجمل والآراء السياسية من سياقها أشد خطورةً، خاصة وأن الآراء السياسية قد تصاغ بجمل شديدة القصر إلا أنها تحتاج وقتاً طويلاً كي تفسّر وتشرح وتربط بخلفيات معلوماتية ذات صلة.

وليس المقصود من ذلك كله اقتراح أن أزمة الكثيرين مع آراء زياد الرحباني لا تعدو كونها «سوء تفاهم» أو خللاً في فهم المعنى! إذ  الحقيقة أن زياد رحباني ما يزال متمسكاً بأسلوبه «الفجّ الواقعي» في التعبير عن آرائه اليسارية وموقفه من أمريكا ومفهومها للديمقراطية ودعم المقاومة وتسلّح المعارضة السورية وموقفه من الإخوان المسلمين، وهو ما يجعله على خلافٍ حاد مع العديد من التيارات السياسية الأخرى، الأمر الذي برره في حواره مع «المصري اليوم» حين قال:« أنا مش هاعيش علشان أعجب كلّ الناس، أنا انتقلت بالحرب اللبنانية من (الضاحية) الشرقية لأني مش مستعد أعمل شيء ضد ما أعتقده، كل إنسان بوده أن يكون محبوباً من كل الناس، لكن هذا آخر ما أهتم به لأنه لا يوجد أحد في التاريخ يحبه كل الناس».

لا يتم إخراج كلام زياد الرحباني من السياق الذي قيل فيه فقط، بل يبعد أيضاً عن التاريخ  الشخصي والسياسي لقائله، بحيث يمسي صاحب (بالنسبة لبكرا شو ) و(شي فاشل) و(فيلم أمريكي طويل) مضطراً لإعادة شرح وتبرير مواقفه السياسية، كما لو أنها لم تكن جليّة واضحةً بالدرجة الكافية منذ ما يزيد عن العشرين عاماً!

إن أي مطّلع على نتاج زياد الرحباني ومسيرته حتماً سيلاحظ أنه اختار في السنتين الماضيتين العودة إلى نطاق الفعالية السياسية والإعلامية من خلال استئناف الكتابة في زاويته (ما العمل) سابقاً، (مانفيستو) حالياً، ووافق على إجراء مقابلات وحوارات في قناة الميادين ثم قناة (أن بي أن) ومقابلة إذاعية في (راديو فان)، في الوقت الذي اختار العديد من الفنانين والمثقفين الآخرين  الصمت و»النأي بالنفس» دون إعلان أي موقف سياسي واضح.