«الخشّابة»: موسيقا لا تعترف بالنوتة فن عراقي.. قلق من اندثار متوقع
يعد فن «الخشابة» أشهر فنون مدينة البصرة التي امتازت بفنونها الموسيقية والغنائية المتنوعة لكونها ميناء تلتقي فيه شتى الثقافات، وهي نافذة العراق على الخليج العربي
وتعود تسميته إلى العمال الذين يعملون بصناعة السفن والقوارب المختلفة، وبسبب عدم وجود آلات موسيقية تصاحب أغانيهم، فقد ابتكروا أنواعاً من «الدنابك» الصغيرة المصنوعة من بقايا الأخشاب التي يشتغلون بها.
ويعود هذا الفن أساساً إلى مدينة «الزبير»، واشتهرت فيها طريقة خاصة للأداء، ثم أخذتها وبإيقاع خاص بها مدينة «أبوالخصيب»، ويمكن أن نضيف لهذين الإيقاعين إيقاعاً ثالثاً اختصت به مناطق شمال «البصرة». حيث تميزت بمصاحبة الأرجل وأصابع اليدين لإيقاع «الخشبة».
ويعتمد أداء مطربي «الخشابة» على الصوت القوي والأداء الجهوري، وعادة ما يشترك مع المطرب الأساسي «كورس» يتكون من منشدين عدّة قد يتجاوزون الثلاثين منشداً، لإيصال روح الطرب إلى الجمهور، وتسمى هذه المجموعة بكاملها «شدّة»، وربما أخذت اسمها من باقات الورد. وكانت هناك أكثر من 50 فرقة موسيقية في البصرة وحدها، لإحياء أفراح أهل المدينة ومناسباتهم السعيدة، وحتى بعدم وجود مناسبة ما، فإن الطرب يشيع بين الدرابين والأزقة، فقد اعتادت الفرق على العزف لإسعاد نفسها إذا لم يكن هناك من يسعى لدعوتهم لذلك.
قدمت هذه الفرق إضافات مهمة للمقام العراقي، فضلاً عن الإيقاعات المحببة، حيث تعدّدت الاختصاصات في شدة «الخشابة»، فمنهم من يقرأ المقام، ومنهم من يختص بما يعرف بـ«البستة»، وهناك الـ«كاسور»، وهو سيد الإيقاع في هذا الفن البصراوي الخالص، بالإضافة إلى العازفين على «البستوكة».
وتتمتع فرق «الخشابة» بتقاليد وأعراف خاصة، أهمها التضامن الجماعي وروح الفريق الواحد، حيث يمكن اعتبارها «عوائل» فنية وليست فرقاً لإحياء الحفلات فقط.
ولم تقتصر الـ(شدّات) على العنصر الرجالي، بل كان هناك فرق نسائية لإحياء المواليد والمناسبات التي كانت تحرص سيدات المجتمع المخملي على إقامتها، ومن أشهرها فرقة «أم علي» التي كانت موجودة إلى فترة ليست بالبعيدة.
غير أن ما حصل بعد 2003، بصعود التيارات المتطرفة والمتشددين، أجبر هذه الفرق على الانزواء، وتكاد معظم الشدّات الرجالية أن تندثر، وهو ما أقلق المهتمين بشؤون الموسيقا على فولكلور مدينتهم، إذ لم يبق ما يمثله سوى (الفرقة الفنية للفنون الشعبية البصرية)، والتي غالباً ما تكون مشاركاتها مقتصرة على المهرجانات، ورغم هذه المشاركات التي غالباً ما تحصد الجوائز الأولى، إلا أنها تحتاج إلى الدعم والرعاية للحفاظ على إرث فني وموسيقي مبهر اسمه «الخشابة».