وعلى الزيتون السلام.. النجدة المتأخرة!
منذ حين بعيد، آليت الانكفاء وعدم نشر أي شيء على الإطلاق لا شعراً ولا نثراً.. وبت أنتظر كالمأخوذ بطاقة العبور إلى العالم الآخر كوني أعيش حالة قهر مزدوج لما يمر به وطني ولا أستطيع له دفعاً. ولكني أكتب اليوم مضطراً إثر حلم عجيب متوجها إلى الدكتور قدري جميل باعتباره وزيراً للتجارة الداخلية وحماية المستهلك، وقد أعلن أنه سيعمل بكل جد للدفاع عن حقوق المواطنين.. منوهاً بأن الموضوع ليس خاصاً على الإطلاق..
رأيت فيما يرى النائم أنني مشدود إلى شجرة زيتون ضخمة بواسطة أغصانها وسط مزرعتي عقوبة لي لأنني لم أستطع سقاية المزروعات.. فجأة سمعت فحيحاً مرعباً، وبدت رؤوس أفاع تدنو ببطء نحوي من بعيد، تمعنت فيها وتراءى لي أنها قطع من بقايا كابل الكهرباء الأسود الذي سرقه لصوص مسلحون منذ أشهر، فكرت في نفسي إنهم إذن يحولون ما يلمسونه إلى أفاع، حاولت الصراخ لكن صوتي كان مكتوماً تماماً، نظرت إلى أغصان شجرة الزيتون باستعطاف فاهتزت بقوة مخففة عني بعض الضيق والحر الشديد، ففرحت وتذكرت أن الزيتون دائما رمز للسلام.. ولكن شيئاً مروعاً حدث فجأة حيث اقتلعت مئات أشجار الزيتون من حولي جذورها إذ لم تعد تطيق صبراً، وبدأت تخطو نحوي وهي تصرخ كالعواء ماء ماء نريد الماء، وتطاولت شجرة الياسمين التي نحلت كثيراً محاولة وصل أغصانها لتمتد شريطاً لاستعادة شكل كابل الكهرباء المسروق عل المضخة تعمل باليخضور وتأتي بالماء ولكن دون جدوى، أما الأشجار فقد امتلأت أغصانها بشوك كبير كالذي ينمو في أشجار المناطق القاحلة، وهي تخطو كأفلام الرعب نحوي لتمتص دمي بدل الماء وهي تردد ماء ماء نريد الماء، فأدركت أني هالك لا محالة، أغمضت عيني ودعوت الله أن يوقف هذه الأشجار بأي شكل من الأشكال وأنا أقنع نفسي بأن أشجار الزيتون طيبة ومسالمة لا يمكن أن تكون من مصاصي الدماء، هل يمكن أن تتحول الوداعة والطيبة إلى وحشية مرعبة، وما الذي يمكن أن يجعلها كذلك؟ رحت أصرخ أنا لست المذنب، والله إنني حاولت وحاولت لكن فيروساً خطيرا يصيب حتى الأذن الوسطى منع المسؤولين من سماعي أنا وجيراني، ولم يمدد الكابل وبالتالي لا كهرباء أي لاماء، وظل هاتف يلاحقني: الوطن في خطر فلم تشغل المسؤولين بتمديد خط كهرباء لإنقاذ الأشجار.. وهاتف معاكس يقول: الشجر كالبشر.. سمعت شهيقا وزفيرا متعبا فتحت عيني فإذ بي أرى الأشجار مرمية على الأرض وهي تتنفس بصعوبة كإنسان يحتضر، حاولت أن أقنعها وأنا ما زلت مصلوباً على الشجرة بأن تتخلى عن فكرة الماء وأن لا تموت فالوطن في خطر..! لكنها لم تقتنع.. نظرت إلى السماء فرأيت الشمس تبدو لأول مرة قريبة جداً وحرارتها مرتفعة جداً، فتذكرت أن عام ألفين واثني عشر سيكون عام نهاية العالم حسب العديد من التنبؤات.. ثم قلت للشمس أرجوك ساعديني على فك وثاقي علي أستطيع أن أفعل شيئاً، فابتسمت الشمس وازدادت احمراراً ولأول مرة في حياتي شعرت بأن الشمس شريرة، كيف يمكن للأشياء التي اعتدنا أن نتخذها رمزاً لما هو رائع أن تغدو معاكسة لمضمونها؟ ما السبب؟ و بدأت أشعر بالاختناق والعطش الشديد، وازدادت حرارة الشمس حتى بدأت الأغصان تشتعل مقتربة مني، وهالني أن ذراعي بدت كغصن جاف، قلت في نفسي إذن هي الطريقة الوحيدة لفك وثاقي عن طريق حرقه.. ناديت بأعلى صوتي للناطور فأطل من فوهة في الفراغ ورأيته ينظر من شباك بيته في قريته النائية وقد بدا كالدراويش في حلقة ذكر وراح يقول لي: لقد هربت من عندكم منذ زمن كيف أعيش وأعتني بالأرض دون ماء ودون كهرباء.. فعلت كما فعل غيري.. اتق الله يارجل. حاولت أن أهدئ نفسي باستعادة تصور ما كانت عليه الأمور.. أشجار مثمرة في كل مكان ومئات أشجار الزيتون تفرش ظلالها، والعشب رطب والورود تفوح بأريج فردوسي، كهرباء تشع كالنياشين على صدر الليل، وماء وفير يثرثر تدفقاً، ثم عدت لما أنا فيه ونظرت نحو وردة غريبة الألوان وودت لو أشمها، فإذ بها تركض بسرعة، واكتشفت أنها عقرب صحرواي، نظرت من حولي فإذا الأرض ملأى بالعقارب والسحالي والعظاءات.. وهنا وهناك صخور جمرية.. انقطع الوثاق بفعل النار فابتعدت عن جذع الشجرة الضخمة الذي بدأ يشتعل وركضت نحو السور، فظهر جاري الطيب أبو جمال صاحب المشتل وألقى إلي بخرطوم ماء رفيع وهو يهتف أنقذها حاول أن تنقذ ما تستطيع، وهو يردد الشجر كالبشر وهم من مواطني هذا البلد.. اقتربت من الأشجار المرمية فإذ بها أجساد آدمية تفحم بعضها.. وقد بدأ تصاعد الدخان من بين الصخور الجمرية، شعرت باليأس تماما الأرض تتشقق من الجفاف والهجير يزداد كأتون متأجج، فجأة رن جرس الموبايل، وضعته قرب أذني وأنا أصرخ ألو ألو النجدة.. مؤسسة الكهرباء النجدة.. اسمعوني الكهرباء ستأتي بالماء والماء سيطفئ هذا الجحيم، وسأفعل كل شيء لكي تعود المزرعة جميلة معطاءة كعادتها الشجر كالبشر.. فجاء صوت رخيم متهدج يقول: لا جدوى بعد أشهر قليلة سينتهي العالم تماماً الشمس ستحرق كل شيء.. قلت: من أنت ألست من مؤسسة الكهرباء، قال: لا أنا نستراداموس.. لقد كتبت عن مزرعتك ومزارع جيرانك قبل قرون إنتم مجرد رمز صغير، وأردف بصوت مؤنب: إنكم تقتلون الأشجار أليس كذلك؟.. وأضاف: هل تفهمني هناك في كل أنحاء العالم من يستفيد من الأزمات ويتمنى أن تطول.. سواء بعدم مد كابل الكهرباء البسيط هذا أو مد الجسور هناك مستفيد لا يرغب بزوال مصالحه، هذا فيروس لا يعالج إلا بلهيب الشمس. صرخت: كيف والزيتون إنه رمز للسلام؟ فأجابني نستراداموس: للأسف يبدو أن النجدة تأخرت وعلى الزيتون السلام.. قلت في نفسي الأرجح أنني في حلم مرعب علي أن أنقذ الأشجار والمزروعات، ولهذا لا بد لي من أن أستيقظ لابد من الاستيقاظ.. قرصت يدي فشعرت بالألم.. ياإلهي إنه الواقع وليس الحلم ما العمل؟؟ ما الحل؟. العمل هو في أن يستيقظ المسؤولون أو أن تجبرهم على الاستيقاظ.. هذا هو الحل .